قوله:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} المراد بالجهاد هنا عموم المجاهدة لإعلاء كلمة الإسلام وظهوره في الآفاق .سواء كان ذلك بالكلمة المؤثرة الطيبة النفَّاذة ،والأسلوب اللين الرحيم الكريم .أو كان ذلك بالقلم ليُّخَطَّ به العلم والدعوة إلى دين الإسلام عن طريق الكتب والمنشورات والصحائف المكتوبة التي تبين للناس حقيقة الإسلام وتكشف للعالمين عن روعة هذا الدين العظيم وما حواه من قواعد وأركان ومفاهيم تفيض بالخير والعدل والرحمة ،وتندد بالظلم والشر والباطل على اختلاف صوره وأحواله وأشكاله .أو كانت المجاهدة في الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ثم بالتصدي للمبطلين فيما يفترونه على الإسلام والمسلمين من الأباطيل والأكاذيب لدحضها وكشف زيفها والتنديد بها .أو كانت المجاهدة في الله ببذل المال في وجوهه النافعة كطلب العلم وإشاعة الفضيلة بين الناس ،أو كانت المجاهدة سبيلها القوة وامتشاق السلاح عندما لا تجدي كل الأساليب الحسنة لدفع الأذى والشر والعدوان .إنه لا مناص في كثير من الأحيان من التلويح بالقوة التي تصد الظلم والظالمين وتردع الباطلين والمبطلين أن يعيثوا في الأرض تخريبا وإفسادا .
على أن المجاهدة الصحيحة والمقبولة ما كان منها في سبيل الله .وهو قوله:{فيناَ} أي ابتغاء مرضاتنا .أما ما كان من ذلك في غير سبيل الله ،بل طمعا في مكسب أو مغنم أو مكانة مرموقة ؛فإن المجاهدة حينئذ لا أجر فيها ولا قيمة لها في ميزان الله .
قوله:{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي لنوفقنهم لإصابة الطرق المستقيمة .ففي الدنيا: يوفقهم الله للصواب والسداد من القول والفعل ،والسلوك النافع السوي الذي قرره الإسلام .وفي الآخرة: يوفقهم الله ويهديهم إلى طريق الجنة .
قوله:{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} اللام للتوكيد .والمراد بالمحسنين: المصدقون المستيقنون الذين يعملون بما يعلمون ،ويجاهدون في الله مخلصين غير مرائين ،أولئك الله معهم بالعون والنصرة والتأييد{[3584]} .