خُتم توبيخ المشركين وذمُّهم بالتنويه بالمؤمنين إظهاراً لمزيد العناية بهم فلا يخلو مقام ذم أعدائهم عن الثناء عليهم ،لأن ذلك يزيد الأعداء غيظاً وتحقيراً .و{ الذين جاهدوا} في الله هم المؤمنون الأولون فالموصول بمنزلة المعرّف بلام العهد .وهذا الجهاد هو الصبر على الفتن والأذى ومدافعة كيد العدو وهو المتقدم في قوله أول السورة[ العنكبوت: 6]{ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} إذ لم يكن يومئذ جهاد القتال كما علمت من قبل .وجيء بالموصول للإِيماء إلى أن الصلة سبب الخبر .ومعنى{ جاهدوا فينا} جاهدوا في مرضاتنا ،والدِّين الذي اخترناه لهم .والظرفية مجازية ،يقال: هي ظرفية تعليل تفيد مبالغة في التعليل .
والهداية: الإرشاد والتوفيق بالتيسير القلبي والإرشاد الشرعي ،أي لنزيدنهم هُدى .وسُبُل الله: الأعمال الموصلة إلى رضاه وثوابه ،شبهت بالطرق الموصلة إلى منزل الكريم المكرم للضيف .
والمراد ب{ المحسنين} جميع الذين كانوا محسنين ،أي كان عمل الحسنات شعارهم وهو عامّ .وفيه تنويه بالمؤمنين بأنهم في عداد من مضى من الأنبياء والصالحين .وهذا أوقع في إثبات الفوز لهم مما لو قيل: فأولئك المحسنون لأن في التمثيل بالأمور المقررة المشهورة تقريراً للمعاني ولذلك جاء في تعليم الصلاة على النبيء صلى الله عليه وسلم قوله: «كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» .والمعية: هنا مجاز في العناية والاهتمام بهم .والجملة في معنى التذييل بما فيها من معنى العموم .وإنما جيء بها معطوفة للدلالة على أن المهم من سَوقها هو ما تضمنته من أحوال المؤمنين ،فعطفت على حالتهم الأخرى وأفادت التذييل بعموم حكمها .
وفي قوله{ لنهدينهم سبلنا} إيماء إلى تيسير طريق الهجرة التي كانوا يتأهبون لها أيام نزول هذه السورة .