قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) يأمر الله عباده المؤمنين أن يصبروا على الدين وتكاليفه فيلتزموا العمل بمقتضاه من غير زيغ ولا تردد .قال الحسن البصري: أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم ،وهو الإسلام فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين .
ويأمرهم الله أيضا أن يصابروا أعداء دينه في الجهاد ،أي يغالبوهم في الصبر على شدائد الحرب ولا يكونون أقل صبرا وثباتا منهم .والمصابرة باب من الصبر ،وقدذكر بعض الصبر تخصيصا لشدته وصعوبته .قال الحسن البصري في ذلك: أن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم .
ويأمروهم أيضا أن يرابطوا .والمرابطة الإقامة في الثغور ،أو هي مرابطة الغزو في نحر العدو وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين{[678]} .
وثمة أخبار في الترغيب في المرابطة منها ما رواه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها "{[679]} وروى الإمام أحمد عن أبي ريحانة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"حرمت النار على عين دمعت- أو بكت- خشية الله ،وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله "{[680]} .
وقيل في معنى الرابط أو المرابطة: انتظار الصلاة بعد الصلاة .وهو قول ابن عباس وآخرين .واحتجوا بالخبر من رواية مسلم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره ،وكثرة الخطأ إلى المساجد ،وانتظار الصلاة بعد الصلاة .فذلكم الرباط .فذلكم الرباط ،فذلكم الرباط{[681]} .
وقوله: ( واتقوا الله لعلكم تفلحون ) أي خافوه واحذروا مخالفة أمره فاجتنبوا القبائح والمنكرات لكي تفوزوا برضوانه وجناته{[682]} .