{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} كانت سورة آل عمران مبينة لألوان الجهاد الذي يقوم به المؤمنون ، ففيها جهاد بالحق والبرهان ، وجهاد بالقتال وتحمل مرارة الهزيمة ، ولذلك ختمها سبحانه بهذا النداء السامي الذي يجب ان يكون شعار كل مؤمن ، وابتدأ النداء يأيها الذين آمنوا ، لإشعارهم بان ما يطلب منهم هو من ثمرات الإيمان ومن مقتضياته ، وقد امر بأمور أربعة:الصبر ، والمصابرة ، والمرابطة ، والتقوى . والصبر:معناه ضبط النفس عن أهوائها ، وتحمل المكاره راضيا غير ساخط ، والقيام بالطاعات على وجهها ، وتجنب المعاصي ، وتحمل آثار الهزيمة ، والعمل على النهوض بعد الكبوة ، وتحمل أذى الأعداء وسخريتهم ، فالصبر معنى نفسي في الصابر يجعله يعلو على الحوادث والنوازل ، ويستولي على نفسه ، ويحملها على ما تحب وتكره ، والصبر كما يكون في الفقر يكون في الغنى ، وصبر الغنى بقمع شهواته ، وعدم البطر ، وعدم الفرح المسرف الفاخر المستعلي .
والمصابرة هي المغالبة بالصبر ، وهي تكون في الجهاد مع العداء في الملحمة ، او في المجادلة ، او في أي مغالبة على أي لون كانت ، والمرابطة هي القيام على الثغور الإسلامية لحمايتها من الأعداء ، فهي استعداد ودفاع وحماية للديار الإسلامية ، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"رباط يوم في سبيل الله خير عند الله من الدنيا وما عليها"{[657]} ، وكان كبار الزهاد يرابطون نصف السنة ، ويطلبون قوتهم بالعمل في النصف الآخر:والتقوى هي لب كل عمل صالح ، وهي النية المحتسبة للخير ، فالمرابطة والمصابرة إن لم تكن منبعثة من التقوى لإرضاء الله تعالى فإنه لا خير فيها ، وإن هذه الأمور الأربعة هي التي يرجى بها الفلاح ، أي الفوز في الدنيا والآخرة ، ولذا قال سبحانه:{ لعلكم تفلحون} أي رجاء ان يكتب لكم الفوز بالنصر في الدنيا والجزاء في الآخرة . اللهم اكتبنا برحمتك في عبادك الفائزين برضاك .