{ وإن من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا} بين سبحانه ما كان من اهل الكتاب ، وما كانوا ينزلونه بالمؤمنين ، وما يسمعونهم من أذى ، كما قال سبحانه:{ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا . . .186}[ آل عمران] .
وفي هذا النص الكريم يبين الله سبحانه باب الرحمة المفتوح لهم ، فذكر سبحانه مؤكدا القول ب"اللام"الدالة على القسم اهتداء فريق منهم ، وذلك ان هؤلاء المهتدين قد تحلوا بخلال خمس:أولها انهم يؤمنون أقوى الإيمان وأخلصه ، والإيمان يزيل العناد والغطرسة فيطلبون الحق لذات الحق . والثانية انهم يؤمنون بما انزل على النبي صلى الله عليه وسلم بان يعلموا انه آخر لبنة في صرح النبوة ، وانه لو كان موسى حيا لآمن بمحمد . والثالثة ان يؤمنوا بحقيقة ما انزل إليهم ، ويعرفوا ان الرؤساء حرفوا الكلم عن مواضعه ، وان يعرفوا ان ما انزل إليهم او إلى أسلافهم
هو ما جاء به محمد مخبرا عنه . والرابعة الخشوع ، وهو الخوف من الله تعالى مع الضراعة إليه وطلب رضاه دون سواه . والخامسة ألا يؤثروا شيئا على آيات الله تعالى هي أماراته البينات ، وقد ذكرت هذه في آخر الآية بقوله سبحانه:{ لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا} أي لا يتركون آيات الله المبينة لشرعه ودينه في نظير ثمن هو عرض من أعراض الدنيا فهو مهما يكن كثيرا في نظر الضالين ، وهذه الأمور الخمسة يترتب بعضها على بعض ، فيترتب على الإيمان الصادق بالله الإيمان بمحمد والإيمان بما نزل على النبيين الصادقين ، ويترتب على هذا كله الخشوع ، وأولى ثمرات الخشوع ألا يتركوا آيات الله تعالى لأي عرض من أعراض الدنيا ، وهؤلاء ينالون جزاءهم ، ولذا قال سبحانه:{ أولئك لهم أجرهم عند ربهم} أي أولئك المتصفون بهذه الصفات التي تدل على الخلوص لله لهم جزاءهم عند ربهم ، وإنه عاجل لهم في الآخرة ، كما ان العذاب لمن لم يؤمنوا عاجل ، ولذلك قال سبحانه مؤكدا:{ إن الله سريع الحساب} .