قوله تعالى: ( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحدكم مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) .( ولا تؤمنوا ) أي لا تصدقوا .وهذا من كلام يهود بعضكم لبعض .إذ قال الرؤساء والأحبار للعوام والسفلة منهم: لا تصدقوا إلا أهل دينكم ،ولا تطمئنوا لغير أتباعكم من الذين على ملة اليهود .وذلك تعبير عما تكنه صدور هؤلاء من جحود لدين الإسلام ولنبوة محمد صلى الله عليه و سلم مع أنهم كانوا يجدون في كتابهم التوراة- وكذا الإنجيل- أن الإسلام حق ،وأن نبي الإسلام صادق وأمين ،وأنه رسول الله إل البشرية كافة ،لكن المعضلة الكبرى في الطبيعة الضالة الجانحة لهؤلاء وفي تعصبهم البغيض الذميم .التعصب الذي يعمي ويصم والذي يفيض على المشاعر والجوارح إفرازات كثافا من ظلمات الحق المركوم .
قوله: ( قل إن الهدى هدى الله ) هذه جملة اعتراضية .وهي من قول الله .والهدى في اللغة يعني الرشاد والدلالة .هداه الله إلى الطريق أرشده{[493]} .
والمراد أن البيان الحق بيان الله والهدى هداه ،فليس من هداية ولا رشاد ولا صواب إلا ما كتبه الله وقرره للعالمين .وما كان من دلالة أخر من دلالات البشر لا جرم أنها خلاف الحق وأنها مغايرة لهداية الله ،الهداية السوية المستقيمة التي كتبها الله للناس ليعيشوا طيلة الدهر سالمين مطمئنين .
قوله: ( أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ) هذا الكلام متعلق بما قبله وهو قوله: ( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ) والمعنى المراد يحتمل أكثر من وجه .فقد قيل: لا تخبروا بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه و سلم إلا من تبع دينكم وهم اليهود ؛لئلا يكون ذلك سببا لإيمان غيرهم بمحمد صلى الله عليه و سلم .
وقيل: لا تصدقوا إلا من تبع دينكم ؛لئلا يؤتى أحد من الهدى والبينات مثل ما أوتيتم .وقيل: لئلا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من التوراة ،والمن والسلوى وفرق البحر وغير ذلك من الآيات والفضائل .
قوله: ( أو يحاجوكم ) عطف عل ( أن يؤتى أحد ) أي لا تؤمنوا بنوة محمد وتقروا بما في صدوركم لغير من تبع دينكم فيعلم بذلك المسلمون فيحاجوكم عند ربكم .أي يتخذن ذلك حجة عليكم فتقوم به عليكم الدلالة وترتكب الحجة في الدنيا والآخرة{[494]} .
قوله: ( قل إن الفضل بيد اللهيؤتيه من يشاء ) الفضل في اللغة ضد النقص .أو بمعنى الزيادة .وكذا الفضيلة ضد النقيصة{[495]} والمراد بالفضل في الآية: الرسالة أو الإسلام .وتقدير المعنى أن الأمور كلها بيد الله وتحت تصرفه فهو المعطي والمانع يمن على من يشاء بالإيمان والعلم والخير .
قوله: ( والله واسع عليم ) يعني والله ذو سعة بتفضله على من يشاء من العباد .وهو ذو علم بمن هو أهل للفضل منهم .