( ولا تؤمنوا إلاَّ لمن تبع دينكم ) .
ويستفاد من بعض التفاسير أنّ يهود خيبر أوصوا يهود المدينة بذلك لئلاّ يقع القريبون من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحت تأثيره فيؤمنوا به حقّاً ،لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ النبوّة يجب أن تكون في العنصر اليهودي ،فإذا ظهر نبيّ فلابدّ أن يكون يهودياً .
يرى بعض المفسّرين أنّ جملة ( لا تؤمنوا ) من الإيمان الذي يعني «الوثوق والاطمئنان » كما هو أصل الكلمة اللغوي .وبناءً على ذلك يكون المعنى: هذه المؤامرة يجب أن تبقى مكتومة وسرّية ،وأن لا يعلم بها أحد من غير اليهود ،حتّى المشركين ،لئلاّ تنكشف وتحبط ،ففضح الله هذه المؤامرة في هذه الآيات وفضحهم ،ليكون ذلك درس عبرة للمؤمنين ،ودرس هداية للمعاندين .
( قل إنّ الهُدى هُدى الله ) .
هذه جملة معترضة جاءت ضمن كلام على لسان اليهود في ما قبلها وما بعدها من الآيات .
في هذه الآية التي تقع بين كلام اليهود ،يردّ الله عليهم ردّاً قصيراً ولكنه عميق المعنى .فأوّلاً: الهداية مصدرها الله ،ولا تختصّ بعنصر أو قوم بذاته ،فلا ضرورة في أن يجيء النبيّ من اليهود فقط .وثانياً: إنّ الذين شملهم الله بهدايته الواسعة لا تزعزعهم هذه المؤامرات ولا تؤثّر فيهم هذه الخطط .
( أن يؤتى أحدٌ مثل ما أُوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم ){[596]} .
هذه الآية استمرار لأقوال اليهود ،بتقدير عبارة ( ولا تصدّقوا ) قبلها .
وعلى ذلك يصبح معنى الآية هكذا: «لا تصدّقوا أن ينال أحد ما نلتم من الفخر وما نزل عليكم من الكتب السماوية ،وكذلك لا تصدّقوا أن يستطيع أحد أن يجادلكم يوم القيامة أمام الله ويدينكم ،لأنكم خير عنصر وقوم في العالم ،وأنتم أصحاب النبوّة والعقل والعلم والمنطق والاستدلال!» .
بهذا المنطق الواهي كان اليهود يسعون لنيل ميزة يتميّزون بها ،من حيث علاقتهم بالله ،ومن حيث العلم والمنطق والاستدلال ،على الأقوام الأخرى .لذلك يردّهم الله في الآية التالية بقوله:
( قل إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليم ) .
أي: قل لهم إنّ المواهب والنعم ،سواء أكانت النبوّة والاستدلالات العقلية المنطقية ،أم المفاخر الأخرى ،هي جميعاً من الله ،يسبغها على من يشاء من المؤهّلين اللائقين الجديرين بها .إنّ أحداً لم يأخذ عليه عهداً ووعداً ،ولا لأحد قرابة معه .إنّ جوده وعفوه واسعان ،وهو عليم بمن يستحقّهما .