قوله تعالى: ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) .
جاء في سبب نزول هذه الآية أن اثني عشر حبرا من يهود خيبر قد تواطأوا فيما بينهم لبعث الريبة والشك في أذهان الضعفة من الناس ،فقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ،واكفروا به في آخر النهار وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك وظهر لنا كذبه وبطلان دينه .فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم .وقالوا: إنهم أهل كتاب وهم أعلم به منا ،فيرجعون عن دينهم إلى دينكم ،فأنزل الله تعالى هذه الآية وأخبر نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم والمؤمنين{[492]} .
وهذه حيلة خبيثة مما ابتكرته عقول الحاقدين والحاسدين من شرار البرية .أولئك الذين يديمون التواطؤ ويصلون الليل بالنهار وهم يأتمرون بهذا الدين ليجتثوه من جذوره إن استطاعوا ،أو يثيروا من حوله الأكاذيب والشبهات ليرتاب المسلمون في دينهم فينقلبوا عنه انقلاب المرتكس المخذول ،ولينثنوا عنه انثناء المتردد الحائر:
حيلة خبيثة نكراء بادر أهل الكتاب لاصطناعها والتشبث بها عسى أن تتزلزل العقيدة الإسلامية في نفوس أصحابها ،فيكون ذلك مدعاة لانهيار الإسلام وتداعيه كليا- لا قدر الله- .
هكذا يتمنى الحاقدون والحاسدون من أهل الكتاب ،لكن هذه مجرد أحلام وأماني تظل تتزاحم في نفوس هؤلاء الأفاكين الدجاجلة لتقضهم قضا ولتؤز نفوسهم أزا .أما الإسلام فلا جرم أنه باق بقاء الدهر والزمان حتى يرث الله الدهر والزمان !
الإسلام باق برعاية الله وكلاءته كيما تستظل البشرية بأفيائه الدفيئة اللطاف .
وإذا كان الأمر بالظالمين كذلك من حيث التواطؤ فيما بينهم وتأمرهم على الإسلام بابتكار هذه الحيلة الماكرة ،وهي تظاهر بعضهم باعتناق الإسلام في الظاهر أول النهار ثم ارتدادهم عنه آخر النهار ،أو أن يكون الاعتناق فترة من الوقت ثم يعقبه الارتداد ؛ليرتاب الضعفة من المسلمين في دينهم أو ينثنوا عنه إلى ملل الكفر ..إذا كان الأمر كان كذلك بات لزاما أن يتصدى الإسلام بتشريعه لمثل هؤلاء المخادعين فيوجب إنزال الحد بالقتل في حق المرتدين عن ملة الإسلام ؛سدا لذريعة الفتنة والغواية التي يثيرها دهاقنة المكر والخيانة والتربص بالإسلام .وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه لدى الحديث عن حد الردة إن شاء الله .