قوله:{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ}{أَشِحَّةً} منصوب على الحال .والشحّ معناه البخل .وهؤلاء المنافقون أشحة على المسلمين ،أي بخلاء عليهم ،فهم يضِنّون عليهم بكل شيء .فهم بخلاء عليهم في مشاركتهم في حفر الخندق ،وفي قتال المشركين ،وفي النفقة على الفقراء والمحاويج وغير ذلك من وجوه الخير .
قوله:{فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} وهذا وصف كامل وحكيم لهؤلاء الجبناء الخائرين ،فإنهم إذ وقع القتال وحصل بسببه الخوف{رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ} جملة فعلية في موضع نصب على الحال{تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} جملة فعلية ،حال بعد حال{[3710]} .أي لفرط خوف هؤلاء المنافقين وما غشيهم من شديد الفزع تدور أعينهم يمينا وشمالا كأنما سُلبت عقولهم فهم{كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي تدور أعينهم دورانا كدوران عين الذي يُغشى عليه الموت .فحال هؤلاء الرعاديد ،إذا حضر القتال ووقع الخوف كحال الذي يغشاه الموت فإنه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف .
قوله:{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}{سَلَقُوكُمْ} ،أي خاطبوكم بما تكرهون{[3711]} فإذا وقف القتال وانقطعت الحرب واطمأن المنافقون والذين في قلوبهم مرض عضوكم بألسنة ذَرِبة فأسمعوكم من الكلام ما يؤذيكم ،أو بالغوا في مخاصمتكم والاحتجاج عليكم .وقيل: بسطوا ألسنتهم فيكم عند قسمة الغنيمة قائلين: أعطنا ،أعطنا ؛فإنا قد شهدنا معكم .فعند الغنيمة أشح قوما وأبسطهم لسانا ،ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم .
قوله:{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْر}{أَشِحَّةً} ،منصوب على الحال من الواو في{سلقوكم}{[3712]} أي أنهم أشحة على الغنيمة ،فهم يشاحون المسلمون عند القسمة .وقيل: أشحة على المال أن ينفقوه في سبيل الله .أو هم بخلاء في بذل الخير على اختلاف وجوهه .
قوله:{أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} أي هؤلاء الذين تبينت صفاتهم من الشح والجبن والخور وفساد القلب وتثبيط المسلمين{لَمْ يُؤْمِنُوا} أي لم تؤمن قلوبهم وإن كان ظاهرهم الإيمان بما تنطقه أفواههم ؛فهم بذلك كافرون{أَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} أي لم يجزهم الله عليها خيرا ،ولم يؤجروا عليها ؛لأنهم منافقون لا يقصدون وجه الله .
قوله:{وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} يعني إحباط أعمالهم التي عملوها هين على الله{[3713]} .