{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} بنفوسهم ،وبكل ما تحتاجون إليه منهم ،لأنهم لا يعيشون الانفتاح على الإسلام والمسلمين ،فلا يتحسسون روحية العطاء تجاههم ،فيبخلون من خلال الضيق النفسي الحاقد الذي ينكمش ويتقلّص ويتعقّد في الدائرة المغلقة ،{فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ} في أجواء القتال التي تنذر بالخطر وتوحي بالمواجهة ،{رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} نظرةً حائرةً متوسلةً ،لا ثبات فيها ولا تركيز{تَدورُ أَعْيُنُهُمْ} فلا تستقر في مكان من خلال الرعب{كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} عندما يعيش في سكراته ،فيحس بالحاجة إلى أيّ شيء يلوذ به وينقذه .ولكن هذه الحالة لا تدفعهم إلى الانجذاب الروحي نحو الهداية ،وإلى التفكير بالعاقبة في ما تفرضه من خط الالتزام ،وإلى الدخول إلى المجتمع الإسلامي ،كعناصر حيّةٍ فاعلةٍ مؤمنة ،بل يبقى تأثير هذا الجو ،في حجم الحالة الطارئة ،التي يزول أثرها عندما تزول{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} فوجّهوا إلى النبي والمؤمنين الكلام الحادّ السليط الذي لا يرتكز على قاعدةٍ ،ولا يخضع لحقّ ،انطلاقاً من حقدهم وغرورهم ونفاقهم الذي يوزع مواقفه على مصالحه وشهواته .
{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} فإذا جاءت الغنيمةوهي الخيروبدأت القسمة ،اندفعوا إليكم ليأخذوا حصةً منها على أساس أنهم شركاء معكم فيها ،لأنهم شاركوا بعض الشيء في تواجدهم في ساحة الحرب .فهم في الوقت الذي كانوا أشحةً عليكم ،فلا ينصرونكم ولا يعينونكم بشيء ،يتحوّلون إلى أن يكونوا الأشحة على حصتهم من الخير الذي يرزقونه من غنائم الحرب .
المنافقون أعمالهم محبطة
{أوْلئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا} لأن الإيمان ليس مجرد كلمةٍ تقال ،بل هو عقيدةٌ تتعمق في الفكر والشعور والوجدان ،وموقفٌ ينفتح على قضايا الإنسان في دائرة الإيمان والرسالة ،في ما يتحدى به الآخرين الذين يريدون أن يُسقطوا قاعدته ويهزموا دوره أو في ما يردُّ به تحدياتهم في حركة الصراع .
{فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} لأن النتائج الروحية التي يستحق بها ثواب الله على العمل منطلقةً من قاعدة الإيمان التي يرتكز عليها ،فإذا انتفى الإيمان انتفت تلك النتائج في ما يستحقه المكلف على ربه ،ولهذا كان إسقاط الأعمال وإحباطها ،لا يعني الإبطال بعد الاستحقاق ،بل يعني عدم الاستحقاق من الأساس .