قوله تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ( 30 ) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} .
( الفاحشة ) من الفحش وهو كل شيء جاوز الحد .وفحش الشيء فُحشا أي قَبُح قُبحا .وجمعها فواحش{[3734]} والمراد بالفاحشة هنا ،الكبيرة من الكبائر .وهي السيئة البليغة في القبح ؛فإنه لما اختار نساء النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله واستقرّ أمرهن زوجات لشخصه الكريم ،أخبرهن الله بشأنهن المميز وبما لهن من خصيصة التكريم والإجلال أكثر من غيرهن من النساء المسلمات .فناسب بذلك إبلاغهن حكمهن بأن من يأت منهن فاحشة{بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} أي معصية ظاهرة ،كالنشوز والإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يشق عليه أو يحزنه أو غير ذلك من وجوه المساءات والمعاصي{يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} أي يعذبهن الله مثليْ عذاب غيرهن من النساء .وذلك لشرفهن وعظيم منزلتهن وفضلهن على سائر النساء .
قال القرطبي في هذا الصدد: إنه كلما تضاعفت الحرمات فهتِكت تضاعفت العقوبات ؛ولذلك ضوعف حَدُّ الحرِّ على العبد ،والثيب على البكر .وقيل: لما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه ،قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن فضوعف لهن الأجر والعذاب .وقيل: إنما ذلك لعِظَم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .
على أنه أراد بالضعفين المثلين أو المرتين .والضعف في كلام العرب المثل .
وضعف الشيء مثله .وضعفاه مثلاه .وأضعافه أمثاله{[3735]}
وهذا التضعيف في العذاب إنما يكون في الآخرة .وقيل: في الدنيا والآخرة .
قوله:{وكان ذلك على الله يسيرا} أي مضاعفة العذاب على التي تعصي الله من نساء النبي أمر يسير على الله .أو لا يعزّ على الله أن يضاعف العذاب للمسيئة منهن .