قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ( 15 ) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ( 16 ) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاّ الْكَفُورَ} .
يبين الله في هذه الآية حال الذين يكفرون بنعمته منبها لقريش ومحذرا إياهم مما جرى لمن كفر بأنعم الله من الأمم السابقة فقال:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ} وسبأ هم ملوك اليمن وأهلها وكانت التبابعة منهم ،وبلقيس صاحبة سليمان من جملتهم كذلك .وقد كانوا في رخاء وسعة من العيش الراغد والرزق الواسع الكريم .وقد بعث الله لهم رسله مبشرين ومنذرين ،يأمرونهم بشكر الله على ما رزقهم وامتنَّ به عليهم من الخيرات والثمرات وواسع الرزق ،فأعرضوا عما أمرتهم به رسلهم فعاقبهم الله بإرسال السيل عليهم .وهو قوله:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ} أي كان في مأواهم أو محل سكناهم ،وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا يقيمون فيها باليمن{آَيَةٌ} أي علامة دالة على عظمة الله وعلى قدرته البالغة وسلطانه العظيم .أو أن قصتهم قد جعلت لهم آية ؛إذ أعرضوا عن شكر الله فسلبهم الله النعمة ليعتبروا ويتعظوا فلا يعودوا إلى الجحود وغمط{[3798]} النعمة ؛أي جحدها وكفرانها .
قوله:{جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ}{جَنَّتَانِ} ،مرفوعة على البدل من{آية} وقيل: خبر لمبتدأ مضمر{[3799]} والمراد بالجنتين ،جماعتان من البساتين ،جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله ،وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامِّها كأنه جنة واحدة .وقيل: المراد بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله ،والمعنى الأول أظهر .
قوله:{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} حكاية لما قالته لهم رسل الله وهو أن يأكلوا مما رزقهم الله فيشكروه على ما أنعم الله به عليهم من مختلف الخيرات .
قوله:{بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} أي هذه بلدتكم التي فيها رزقكم ،بلدة طيبة لطيفة المسكن ،مستطابة العيش والمقام ،جيدة الماء والهواء ،ليس فيها من عاهة ولا سقم ولا هامة{[3800]} .وفوق ذلك كله أن الله غفور يستر عليكم الذنوب والسيئات فاعبدوه وحده واشكروه على ما أفاض عليكم من النعم .