قوله:{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}{رَبَّنَا} ،منصوب على النداء وهو قول أكثر المفسرين وأهل اللغة{[3804]} فقد بطروا النعمة وسئموا من طول العافية فطلبوا الكدّ والتعب وبعد الأسفار ليزداد نصبهم وشقاؤهم فيكون ما يجلبونه أشهى وأغلى .وذلك هو دأب البطرين الفارهين الذين يملون النعمة وطول الرخاء والعافية فتجنح نفوسهم للشقاء والشظف بدلا من شكرهم لله على أنعمه وإفراده بالطاعة والعبادة .
قوله:{وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} وذلك بتعريض أنفسهم لعذاب الله وسخطه بسبب عصيانهم وتكذيبهم وجحدهم النعم ؛إذ بطروها وغمطوها .
قوله:{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي يتحدث الناس بقصتهم وأخبارهم على سبيل التلهي والتعجب ،معتبرين بعاقبتهم وما آلوا إليه من سوء المصير .
قوله:{وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي فرّقناهم بالتباعد كل تفريق فتبددوا في البلاد .وقال الزمخشري في ذلك: لحق غسان بالشام وأنمار بيثرب ،وجذام بتهامة ،والأزد بعُمان .
قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} يعني: إن في قصص هؤلاء البطرين الممزقين كل ممزّق لعظات وعبرا لكل امرئ شأنه الصبر عن المعاصي وعلى الطاعات ،والشكر لله على ما أنعم به وتفضل{[3805]} .