قوله تعالى:{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
المرتد بالبحرين: النهر والبحر ،فماء النهر عذب فرات .والفرات أعذب العذب .وهو سائغ شرابه أي سهل مدخله في الحلق{[3852]} .وماء البحر ملح أُجاج ؛أي مرّ .وهذان صنفان من الماء مختلفان غير مستويين .وهذه ظاهرة من ظواهر الطبيعة العجاب التي تزجي بالدليل المستبين على عظيم قدرة الله وبالغ حكمته .
قوله:{وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} والمراد به السمك .وهو من الكائنات التي تعيش في الماء سواء فيه العذب أو المِلْح .والسمك طعام نافع مستطاب جعله الله نعمة للعباد يصطادونه في الماء بغير عسر ولا مشقة .
قوله:{وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} وهي اللؤلؤ والمرجان ؛إذْ يُستعملان للبس أو الافتراش أو غير ذلك من وجوه الزينة .
قوله:{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ}{الْفُلْكَ} السفن .و{مَوَاخِرَ} ،يعني جواري .مَخَرت السفينة إذا جرت تشقُ الماء مع صوت{[3853]} ؛أي السفن الجواري في البحر تشق الماء بصدورها شقا وهي تخرُق عُبابَ البحر{لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} أي ترمون التجارة في أسفاركم فتقطعون المسافات النائية والأقاليم الواسعة طلبا للرزق وتحقيقا للمعاش .
قوله:{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي تشكرون الله على ما خوَّلكم من نعمة الطفْوِ على سطح الماء .فقد سخَّر الله لكم البحر ليحمل بكم السفائن فتبلغوا بها ما تريدون من البلدان حيث تقضون فيه حوائجكم ومصالحكم المختلفة .
وهذه ظاهرة عظيمة من ظواهر الطبيعة سخرها الله لنبي آدم ليسيروا على سطح لماء بمراكبهم وأمتعتهم الثقال وهم آمنون مطمئنون .وهذه ظاهرة فريدة خص الله بها الماء دون غيره من المائعات{[3854]} .