قوله تعالى:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ( 13 ) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ( 14 ) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ( 15 ) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ( 16 ) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( 17 ) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 18 ) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} .
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً} أي مثل لهم .وذلك من قولهم: عندي من هذا الضرب كذا .أي من هذا المثال .وهذه الأشياء على ضرب واحد ،أي على مثال واحد .
والمعنى: ومَثِّلْ لهؤلاء المشركين يا محمد مثلا مثل أصحاب القرية .و{أَصْحَابَ} ،منصوب على البدل من قوله:{مثلاً} أو منصوب على أنه مفعول ثان للفعل اضرب{[3889]} والمراد بالقرية: أنطاكية ؛فقد كان فيها ملك ظالم مشرك ؛إذ كان يعبد الأصنام فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل فكذبهم هو وقومه المشركون .ومن هؤلاء الرسل اثنان أرسلهما الله إلى أهل أنطاكية فكذبوهما{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي قوّيناهما وشددنا أزرهما برسول ثالث أرسلناه إليهم{فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} قال المرسلون لأهل أنطاكية: أرسلنا الله إليكم لهدايتكم ،ولإبلاغكم دعوة ربكم ،دعوة الحق والتوحيد .لكن المشركين بادروهم بالجحود والتكذيب ؛إذ{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} كيف نؤمن لكم وأنتم بشر كالبشر ،ليس لكم مزية علينا تقتضي اختصاصكم بما تزعمونه من النبوة{وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} لم ينزل الله من وحي على أحد من الناس .ويفهم من ذلك إقرارهم بالألوهية ،وإن كانوا ينكرون الرسالة ويكذبون النبيين ويعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى{إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} أي ما أنتم إلا كَذَبَة فيما تدعونه وتزعمونه من النبوة .