وهكذا ينقلنا القرآن إلى التاريخ ،حيث واجه المرسلون الدعاة إلى الله المواقف الصعبة التي تتحداهم فيها قوى الكفر بكل أساليب التمرد والجحود ،فلا تستمع إليهم ،ولا توافق على الدخول في حوار معهم ،ولكنهم لا يتراجعون ،بل يستمرون في الدعوة وإعلان الموقف ،لأن كلمة الرسالة لا بد من أن تُقال وتتحرك مع الآذان الصمّاء والمواقف الرافضة ،لتفرض نفسها على الجوّ ،أو لتنفذ من خلال ثغرةٍ طارئةٍ من هنا ،ونافذةٍ مفتوحةٍ على القلب من هناك ،لتبدأ الطريق من الموقع الصغير ،فالتراجع في البداية أمام تحديات الآخرين ،يفرض أن لا تبدأ الرسالة ،باعتبار أن القوى المضادّة تقف أمام البدايات لتهزمها حتى لا تفرض نفسها على الساحة بعد ذلك .
وهكذا يريد القرآن أن يحدثنا عن تاريخ الحركة الرسالية ،من دون دخولٍ في التفاصيل ،لنستلهم من ذلك صلابة الموقف أمام التحدي ،وطبيعة الذهنية الكافرة المتحجرة التي لا تنفتح للحق ولا للحوار .
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ} الذين أغفل الله ذكر ملامحهم الشخصية في أسمائهم وصفاتهم ،كما أغفل ذكر اسم القرية وموقعها ،لأن القصة ليست لتفصيل التاريخ ،بل لأخذ العبرة .وتحدث المفسرون عن أن هؤلاء المرسلين من حواريي عيسى( ع ) ،ولكنهم ذكروا تفاصيل القصة بما لا يتفق مع أجواء هذه الآيات مما لا جدوى في تحقيقه والجدل فيه .