قوله:{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ} ذلك واحد من المعاني العظيمة المكررة في الكتاب الحكيم التي يؤكد الله فيها على إحياء الموتى ،وبعثهم من قبورهم ليلاقوا الحساب يوم القيامة .
أما قوله:{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} أي أن الله يحصي عليهم أعمالهم من خير أو شر فيكتبها جميعا .
أما قوله:{وَآَثَارَهُمْ} أي آثار خطاهم بأرجلهم ؛فقد روي عن أبي سعد الخدري قال: كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ} فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"إن آثاركم تكتب فلم تنتقلون ؟"{[3887]}
وقيل: تكتب لهم أعمالهم بأنفسهم ،وما ترتب عليها من آثار بقيت من بعدهم ؛فإن الله مجازيهم عنها إن خيرا فخير ،وإن شرّا فشرّ .وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم:"من أجورهم شيء ،ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن يُنقَصَ من أوزارهم شيء ".
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم اقطع عمله من ثلاث: من علم يُنتفع به ،أو ولد صالح يدعو له ،أو صدقة جارية من بعده ".
قوله:{وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}{وَكُلَّ} ،منصوب بفعل مضمر دلَّ عليه الفعل بعده{أحْصَيْنَاهُ} والتقدير: وأحصينا كل شيء أحصيناه .والإمام المبين ههنا يراد به أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ وفيه علم الله وعلمه محيط بكل شيء .فما من كائن ولا حدث إلا علمه مسطور في هذا الكتاب .وقيل: المراد بالإمام هنا صحائف الأعمال .وذلك هو كتاب أعمالهم يشهد عليهم بما عملوه من خير أو شر{[3888]} .