قوله:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} السدّ ،معناه الحاجز .فقد جعل الله من أمام هؤلاء الضالين حاجزا ومن خلفهم حاجزا .والمراد به الضلالات .فهم مترددون في الضلالات ،زائغون بها عن الحق .
قوله:{فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} يعني أغشينا أبصارهم أي غطيناها وجعلنا عليها غشاوة فلا ترى شيئا .أو ألبسنا أبصارهم غشاوة كيلا يروا .
وقيل: جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة ،وأبو جهل وأمية بن خلف يراصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغوا من أذاه .فخرج عليهم الصلاة والسلام وهو يقرأ{يس} وفي يده تراب فرماهم به وقرأ{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} فأطرقوا حتى مر عليهم عليه السلام .
وذكر محمد بن إسحق في السيرة عن محمد بن كعب قال: قال أبو جهل وهم جلوس: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه كنتم ملوكا فإذا متم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن .وإنكم إن خالفتموه كان لكم منه ذبح ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون بها ،وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وفي يده حفنة من تراب وقد أخذ الله تعالى على أعينهم دون فجعل يذرّها على رؤوسهم ويقرأ{يس ( 1 ) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ} حتى انتهى إلى قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته وباتوا رصداء على بابه حتى خرج عليهم بعد ذلك خارج من الدار فقال: ما لكم ؟قالوا: ننتظر محمدا .قال: وقد خرج عليكم ،فما بقي منكم من رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم ذهب لحاجته .فجعل كل رجل منهم ينفض ما على رأسه من التراب .