وقوله ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) .التذبذب أو الذبذبة بمعنى التردد بين أمرين مع ما يخالط ذلك من حيرة واضطراب .وتلك حال المنافقين فإنهم دائما مترددون ( بين ذلك ) أي بين الإيمان والكفر وهم كذلك كما وصفتهم الآية ( لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ) أي ليسوا مع المؤمنين ولا مع الكافرين .وحقيقة ذلك أنهم ليسوا مع المؤمنين لا في الظاهر ولا في الباطن ،وليسوا مع الكافرين في الظاهر وإن كانوا معهم في الباطن ،فهم على هذه الحالة متأرجحون حيارى يغشاهم القلق والاضطراب ويجانبهم الوضوح والثبات المستقر .وتلك هي حال المنافقين المترددين الذين يظلون في معاناة تؤزهم وتقضهم قضا ؛وذلك لما اختاروه لأنفسهم من أسلوب متلجلج خسيس ،ولما انتحلوه لأشخاصهم من شواكل يظللها الغش والتأرجح والتدسس .
وقوله: ( ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) هؤلاء المنافقون الفاسدون قد آثروا الباطل وارتضوا لأنفسهم أسوأ أسلوب من التدسس الرخيص والاضطراب المتلجلج .وكان عليهم أن يختاروا منهج الله القائم على الحق والثبات والقسطاس المستقيم ،ولله سبحانه يحب لعباده أن تستقيم حاله ليحيوا آمنين مسلمين مطمئنين .لكن هذه النفوس الملتوية المريضة تأبى منهج الله الذي يفرض الحق والاستقامة وحسن القصد ،وتأبى إلا أن تعيش في الظلام والضلال فاستحقوا بذلك أن يضلهم الله ليكونوا من أهل الشقاوة والعذاب .أو أن الله جلت قدرته قد هيأ لمثل هؤلاء من أسباب الهدية ودواعي الخير والاستقامة ما يكفي لحمل المرء على المضي في ظل الله وعلى صراطه المستقيم ،لكنهم جنحوا في عتو وتمرد ليكونوا في أصحاب السعير وليفروا من نداء الله الكريم إلى نداء الشيطان الرجيم مثلما تفر الحمر البطرة المستنفرة من نداء راعيها المشفق الرحيم{[847]} .