{ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء}
/م142
الذبذبة الاضطراب ومن ذلك قول النابغة في مدح النعمان:
ألم تر أن الله أعطاك سورة **ترى كل ملك دونها يتذبذب
أي يضطرب ولا يصل إليها ، كذلك هؤلاء المنافقون في اضطراب دائم مستمر ، ويترددون:أيخرجون من الكفر إلى الإيمان ، أم يبقون على ما هم عليه من كفران ، ثم أهم يجعلون أنفسهم مع محمد وأوليائه أم مع الذين يحاربونه من أعدائه وقد أشرنا من قبل إلى ما رواه مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم:"مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى"{[828]} .
وهنا أمر لفظي ، وهو قوله تعالى:{ بين ذلك} الإشارة في الظاهر إلى المذكور آنفا ، في طي الكلام وهو الكفر والإيمان ، أو الاستنصار بأهل الإيمان والاستنصار بأعدائهم فهم مترددون بين هذين الأمرين وهما المذكوران في مضمون الكلام ، فالإشارة إلى المذكور ، وهو يتضمن أمرين متعارضين هما الالتجاء لأهل الإيمان أو البقاء مع أهل الشيطان . والتعبير بكلمة ( بين ) الدال على المكان الذي يكون بين أمرين مؤداه أنهم يكونون في مكان متوسط بين الأمرين ، وهذا التوسط معنوي ، من حيث إنهم يدركون الحق ويعرفونه ، ولكن لا يدخلون في وسط أهله ، ولا يعرفون الله تعالى حق معرفته .
ويصح أن تكون الإشارة إلى الولاء ، فهم مترددون فيه ، فإما أن يستنصروا بالمؤمنين ويوالوهم وإما أن يستنصروا بالمشركين ، فهم في هذا الاستنصار مترددون حائرون ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء . وإنه لا سبيل إلى هداية هؤلاء الحائرين ، ولذا قال سبحانه:
{ ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى الهداية لكل الذين يدعوهم ، حتى الذين ينافقون منهم ، فبين الله تعالى أن ذلك غير ممكن إلا أن يريد الله ، لقد كان النبي صلى الله عليه سلم يستغفر للمنافقين فبين الله تعالى أن الله لا يغفر لهم فقال تعالى:{ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم( 80 )}( التوبة ) .
وبهذا الحكم الثابت لن تكون لهم هداية لم يردها الله تعالى .
ومعنى النص:ومن يكتب الله تعالى عليه الضلال في سجله المحفوظ يتردى في مهاوي الرذيلة حتى يركس فيها ويتكاثف الشر في قلبه ، ويزيد بالخطايا فلن ينفتح باب الهداية له ، ولن يشرق عليه نور الإيمان ، وبذلك لن تجد سبيلا لهدايته ، وإن ما يكتبه الله تعالى إنما هو علمه المكنون الذي لا يتخلف أبدا ، وهو لا يمنع إرادة الشر من مرتكبه ، وإرادة الخير من فاعله ، ونسبة الإضلال إلى الله تعالى هي من قبيل المجاز من حيث إنه تركه في غيه ولم يسد عليه طريق الشر ، لأنه استمرأ الرذيلة ، وسار في طريق الضلال إلى النهاية ، فكان ضلاله بعيدا والله تعالى يهدي من أراد لنفسه الخير وسلك سبيل الرشاد فإن الله تعالى يوصله إلى طريق النجاة .
وإن السبب في ظلال المنافقين الذي لا هداية معه هو اتخاذهم الكافرين أولياء ، ولذا قال سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين} .