وقوله: ( لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) لكن حرف استدراك .والراسخون مرفوع على الابتداء ،والخبر قوله: ( أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ) والراسخون من الرسوخ وهو الثبوت .والمقصود العلماء ذوو القدم الراسخة في العلم من بني إسرائيل مثل عبد الله بن سلام وكعب الأحبار وآخرين من أحبار اليهود .أما المؤمنون فهم أتباع النبي محمد ( ص ) ،وهؤلاء جميعا ( يؤمنون بما أنزل إليك ) أي يصدقون القرآن الذي أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة كيما يتنزل عليك بالتالي منجما .إنهم يصدقون القرآن وما حواه من أخبار اليهود وما كان من تضييق عليهم بتحريم كثير من الطيبات بعد أن كانت حلالا ،وذلك من باب العقاب لهم الذي يستحقونه في الدنيا .وهم كذلك يؤمنون بما ( أنزل من قبلك ) من كتب مثل التوراة ،ذلك الكتاب المقدس الذي حوى من الشريعة والحكمة ما يصلح به بنو إسرائيل لو استقاموا وصلحت نفوسهم ،ولو لم يحرفوا ويبدلوا تبعا لهواهم .
قوله: ( والمقيمين الصلاة ) ثمة خلاف بين المفسرين وأهل البيان في إعراب ( المقيمين ) وسبب نصبها .وقد ورد في ذلك عدة أقوال ،لعل أصحها ما ذكره سيبويه وهو النصب على المدح أو التعظيم .وذلك كقوله تعالى في آية أخرى: ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ) وذلك في كلام العرب كما قال الإمام المفسر ابن كثير رحمه الله .والصلاة مفعول به منصوب لاسم الفاعل .( المؤتون الزكاة ) من الإيتاء أي الإعطاء ،مرفوعة للعطف على ( الراسخون ) و ( المؤمنون ) قبلها{[855]} والزكاة تعني في اللغة الطهارة والنمو: وفي اصطلاح الشرع تعني قدرا من المال معلوما يؤديه مالك النصاب للمستحقين الثمانية أو بعضهم على الخلاف بعد أن يحول عليه الحول .والزكاة مفعول به منصوب لاسم الفاعل قبلها .وكذلك قوله: ( والمؤمنون بالله واليوم الآخر ) فهؤلاء جميعا سيجعل الله لهم أجرا عظيما يتلقونه يوم القيامة{[856]} .