قوله تعالى:{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنّ خلقهنّ العزيز العليم 9 الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلّكم تهتدون 10 والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة مّيتا كذلك تخرجون 11 والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون 12 لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين 13 وإنا إلى ربنا لمنقلبون} .
يتبين من آيات الله هذه أن المشركين الأولين ما كانوا ينكرون وجود الله ،بل كانوا موقنين بهذه الحقيقة الكبرى ،وهي أن الله حق وأنه الخالق الموجد ،فهم بذلك لم يأت على فطرتهم من المسخ والإفساد مثل الذي أتى على كثير من الكافرين الملحدين الذين ينكرون وجود الله ويجحدون الإلهية كليّا ،كالشيوعيين والوجوديين وآخرين غيرهم من مناكيد البشر وأشقيائهم ،أولئك الذين انمسخت فيهم الفطرة الإنسانية انمساخا وانقلبت فيهم الطبائع الأساسية رأسا على عقب ،وانتكست نفوسهم وأذهانهم أشنع انتكاس فصاروا يجترون مقالة الإلحاد اجترار الأشقياء المماسيخ ،خلافا للمشركين السابقين الذين كانوا يقرون بوجود الله الخالق البارئ بالرغم من اتخاذهم الشركاء والأرباب مع الله .وذلك يستبين من قوله سبحانه:{ولئن سألتهم مّن خلق السّماوات والأرض ليقولنّ خلقهنّ العزيز العليم} أي لئن سألت هؤلاء المشركين يا محمد عمن خلق السماوات والأرض لسوف يجيبونك مقرين بأن خالقهن الله العزيز العليم ،فهم بذلك مقرون لله بالخلق والإيجاد بالرغم من اتخاذهم مع الله شركاء وأندادا جهلا منهم وضلالا .