{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ( 9 ) الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلالعلكم تهتدون ( 10 ) والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون ( 11 ) والذي خلق الأزواج ( 5 ) كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ( 12 ) لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ( 13 ) وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( 14 )} [ 9 – 14] .
وجه الخطاب في الآية الأولى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فلو سألهم عمن خلق السماوات والأرض لما وسعهم إلا أن يجيبوا بأنه هو الله العزيز القوي الغني عن الغير العليم بكل شيء .
أما الآيات التالية فقد احتوت تقريرات عن مشاهدة قدرة الله ونعمه على السامعين .وعباراتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر .وقد انتهت بتقرير كون ذلك مما يوجب ذكر نعمة الله وحمده على ما يسره للسامعين من وسائل الاعتراف به وإنابتهم إليه .
وضمير الجمع المخاطب والجمع الغائب في الآيات عائد إلى الكفار على ما يفيده فحواها .وهي والحالة هذه متصلة بسابقاتها في صدد محاججة الكفار وإفحامهم كما أنها تمهيد لما في الآيات التالية لها ،وهذا مما جرى عليه أسلوب النظم القرآني .
والجواب في الآية الأولى حكاية مفروضة على لسان الكفار ،وأسلوبها يلهم أن جواب الكفار لن يكون إلا إيجابا ،فهم لا ينكرون الله تعالى وإنما يشركون معه غيره للاستشفاع والزلفى ،ويعترفون أنه الخالق الرازق المدبر المتصرف في الكون النافع الضار وحده .ويدعونه وحده في الشدائد والأخطار على ما حكته آيات عديدة مرت أمثلة منها ،ومن هنا جاء الإفحام والإلزام .
ولقد روى البغوي بطرقه عن علي بن أبي ربيعة أنه:( شهد عليا رضي الله عنه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله ،فلما استوى قال: الحمد لله ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ،ثم حمد ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال: لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل له:ما يضحكك يا أمير المؤمنين ؟قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل مثل ما فعلت ،وقال مثل ما قلت ،ثم ضحك فقلنا ما يضحكك يا نبي الله ؟قال: عجبت للعبد إذا قال لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ،يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو ){[1843]} .وأورد ابن كثير حديثا عن عبد الله بن عمر رواه الإمام أحمد قال: ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ركب راحلته كبر ثلاثا ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون .ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى ،اللهم هون علينا السفر واطو لنا البعيد .اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل .اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا ) .وكان إذا رجع إلى أهله قال: ( آيبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون ) .حيث ينطوي في الأحاديث صورة من صور استلهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم للآيات القرآنية فرأى أن في الآيتين الأخيرتين من الآيات التي نحن في صددها تعليما له وللمسلمين أيضا بما ينبغي أن يفعلوا إذ يتمتعون بما سخره الله لهم من وسائل الركوب فكان ما روته الأحاديث منه وصار ذلك سنة شريفة للمسلمين من بعد .