قوله:{فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} ارتقب معناه انتظر .ويقال ذلك في المكروه .والمعنى: انتظر يا محمد بهؤلاء المشركين يوم تغشاهم السماء بدخان ظاهر يراه كل أحد .وفي حقيقة الدخان قولان:
القول الأول: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على قومه المشركين بمكة لما كذبوه فقال:"اللهم اجعل سنيهم كسنيّ يوسف "فارتفع المطر وأجدبت الأرض وأصابت قريشا شدة المجاعة حتى أكلوا العظام والكلاب والجيف .فكان الرجل لما به من الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان .وهذا قول ابن عباس في رواية عنه وقال به ابن مسعود .وجملة ذلك أن هذا الدخان إنما يراد به الظلمة التي في أبصارهم من شدة الجوع .وذكر في تفسير الدخان بهذه الحالة أن في سنة القحط يعظم يبس الأرض بسبب انقطاع المطر ويرتفع الغبار الكثير ويظلم الهواء وذلك يشبه الدخان ولهذا يقال سنة المجاعة الغبراء .
القول الثاني: إن هذا الدخان من أشراط الساعة وهو لم يجئ بعد ،وإنه يمكث في الأرض أربعين يوما يملأ ما بين السماء والأرض ،فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام .وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم ويضيق أنفاسهم وهو من آثار جهنم يوم القيامة .وهو قول كثيرين من السلف فيهم ابن عمر وأبو هريرة والحسن وابن عباس في رواية عنه .وهذا القول أولى بالصواب .وفي صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال:"ما تذكرون ؟"قالوا: نذكر الساعة .قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات "فذكر:"الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق ،وخسف بالمغرب ،وخسف بجزيرة العرب ،وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم "وفي رواية عن حذيفة قال: قلت: يا نبي الله ،وما الدخان ؟قال: "هذه الآية{فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين}".