قوله:{إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} قيل: المراد بهم أهل الكتاب ،فقد وجدوا اسم الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم وأيقنوا في أنفسهم أنه نبي صادق مبعوث من ربه ،ثم كذبوه وجحدوا نبوته .وقيل: المراد بهم أهل النفاق ،فقد سمعوا الآيات تتلى عليهم وأيقنوا حقيقة ما فيها من المواعظ والعبر والآيات ،لكن طبائعهم الكزّة الغلف لم تستمرئ ذلك فلم يغض الإيمان إلى قلوبهم فهم بذلك قد{ارتدوا على أدبارهم} أي رجعوا القهقرى مرتكسين إلى الكفر بعد ما استبان لهم الحق مما سمعوه من الكتاب الحكيم .الكتاب الرباني الفذ الذي تضمن من الآيات والدلالات والمعجزات ما يحمل الأذهان والقلوب على الدهش والبهر والاستيقان .
وذلكم هو حكم الله في كثير من الناس المرتكسين المرتدين على أدبارهم .أولئك الذين سمعوا آيات الكتاب الحكيم وما تضمنته من عجائب الإعجاز المميز وكمال المعاني والأخبار والأحكام والأفكار مما ليس له في الكتب والديانات والمذاهب نظير .إن ذلكم هو القرآن بجماله الباهر وكماله المذهل وعجائبه المثيرة ،لا يستنكف عن تدبره والانتفاع به والاتعاظ بروائعه إلا كل جحود منغلق القلب .
قوله:{الشيطان سول لهم وأملى لهم}{سول} أي زين{[4241]} .و{أملى لهم} ،أي أمهلهم وطول لهم .أملى له في غيه ،أي أطال له فيه{[4242]} .والمعنى: أن الشيطان بكيده وخداعه سهل لهؤلاء المرتكسين المرتدين على أدبارهم ركوب المعاصي ،وزين لهم الفسق عن أمر الله ،واتخاذ الأولياء والأنداد من دونه{وأملى لهم} أي مد لهم في الآمال والأماني مدا .