{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ} وتراجعوا عن الخط المستقيم{مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} في وضوح مفاهيمه ،وصفاء شريعته ،واستقامة مناهجه ،وهؤلاء هم المنافقون الذين عاشوا في داخل المجتمع الإسلامي وشاهدوا التجربة الإسلامية الواعية في صفائها ونقائها ،لا سيّما في أخلاقية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وروحانيته ،واستقامة سيرته التي هي المثل الأعلى للكمال الإنساني ،فليست المشكلة في مواقفهم السلبية مشكلة عدم الوضوح في الرسالة ،أو ضياع الخطوط التي تحدد فواصل القضايا ،أو اختفاء النموذج الحيّ الذي يعبّر عن طبيعة الواقع السليم ،بل هي ما ذكره الله:{الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} في ما زينه لهم من أعمالهم السيّئة فرأوها حسنةً ،أو ما أثاره في داخلهم من مطامع الأنانية الذاتية في ما يكيدون به للإسلام والمسلمين ،{وَأَمْلَى لَهُمْ} بما أوحى به إليهم من تطويل الأمل الذي يثير فيهم أحلام البقاء والامتداد في الحياة ،حتى ينسيهم الموت ،ويبعدهم عن الآخرة ،