قوله تعالى:{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم 4 سيهديهم ويصلح بالهم 5 ويدخلهم الجنة عرّفها لهم 6 ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم 7 والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم 8 ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} .
ذلك تحريض من الله للمؤمنين على قتال الكافرين الذين يحادون الله ورسوله ويستنكفون عن طاعة ربهم واتباع منهجه القويم .أولئك الذين يصدون عن دين الله ويريدون للبشرية أن تضل السبيل وتزيغ عن منهج الله الحق فتمضي في طريق الشر والباطل ،طريق الشيطان .على أن قتال الكافرين يكون عقب دعوتهم إلى دين الله بالتي هي أحسن وعقب الكشف لهم عن جمال الإسلام وما بني عليه عليه من قواعد الحق والعدل والرحمة ،ترغيبا لهم فيه .وإنما يكون ذلك بالحكمة واللين والبرهان ،فإن آمنوا واهتدوا فهم إخوة في العقيدة والملة ،وإن أبوا واستكبروا وجنحوا للشر والعدوان والتخريب والإفساد في الأرض فلا مناص حينئذ من دفع شرورهم ومكائدهم ومفاسدهم عن البشرية ولا يتحقق ذلك بغير العنف والشدة .وهو قوله:{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} ( ضرب ) منصوب على أنه مصدر .وتقديره فاضربوا ضرب الرقاب{[4225]} .واختلفوا في المراد بالذين كفروا الذين أمر بضرب رقابهم ،فقيل: المراد بهم المشركون عبدة الأوثان ،أولئك التائهون ،الموغلون في العماية والحماقة وتبلد الأذهان .وقيل: المراد بهم كل من خالف دين الله وهو الإسلام من مشرك أو كتابي إذا لم يكن صاحب عهد أو ذمة ،فهو كل مشرك غير معاهد ولا ذمي .والمعنى: إذا لقيتم المشركين من غير أولي العهد أو الذمة فاضربوا رقابهم .وخص الرقاب بالذكر على سبيل الغلظة والشدة .قوله:{حتى إذا أثخنتموهم} من الإثخان وهو المبالغة في الجراحة .وأثخنتموهم أي غلبتموهم وأكثرتم فيهم الجراح{[4226]} والمعنى المقصود: إذ أكثرتم في المشركين القتل{فشدوا الوثاق}{الوثاق} بالفتح والكسر: ما يشد به ،أوثقه ووثقه توثيقا ،يعني أحكمه بما يوثق به كالرباط{[4227]} أي إذا أسرتم من لم يقتل منهم فأحكموا رباطه كيلا يهرب .
قوله:{فإما منا بعد وإما فداء}{منا} و{فداء} منصوبان على المصدر .يعني: إما أن تمنوا على هؤلاء الأسارى بإطلاقهم من غير فدية ،وإما أن تفادوهم فداء ،أي إطلاقهم في مقابل مال يؤدونه إلى دولة الإسلام .على أن الآية محكمة .وهو قول أكثر المفسرين والعلماء .وهو مروي عن ابن عباس .وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وغيرهم .وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الإمام مخير بين المن على الأسارى ،ومفاداتهم فقط .وليس له أن يقتلهم استنادا إلى ظاهر الآية .وقال آخرون: بل له أن يقتل الأسير إن وجد في ذلك مصلحة للمسلمين ،بإضعاف المشركين وتبديد شوكتهم ،أو كان الأسير واحدا من الأشقياء الموغلين في الإجرام والإفساد وإيذاء المسلمين ،فقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط من أسارى بدر .
وذهب الإمام الشافعي إلى أن الإمام مخير بين قتل الأسير أو المن عليه أو مفاداته أو استرقاقه .
قوله:{حتى تضع الحرب أوزارها} اختلفوا في تأويل ذلك .فقد قيل: حتى يظهر الإسلام على الدين كله .وقيل: حتى يضع المشركون المحاربون أوزارهم .والمراد بالأوزار ههنا السلاح والكراع وأسباب القتال ،أي يضعوا سلاحهم على سبيل الهزيمة أو الموادعة .
قوله:{ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم}{ذلك} في موضع رفع ،لأنه خبر لمبتدأ محذوف .وتقديره: الأمر كذلك{[4228]} والمعنى: هذا الذي أمرتكم به هو حكم الله في المشركين من حيث إلزامكم قتالهم وأسرهم أو المن عليهم ومفاداتهم .ولو أراد الله لأهلكهم بغير قتال فكفاكم قتالهم{ولكن ليبلوا بعضكم ببعض} أي أمركم الله بقتال الكافرين وجهادهم ليمتحن بعضكم ببعض فيستبين المجاهدون والصابرون من القاعدين المتخاذلين ،وليكون عقاب الكافرين في هذه العاجلة على أيديكم .
قوله:{والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم} أي أن الذين يقتلون في سبيل الله له يضيّع الله أجرهم بل إن جزاءهم يكبر ويضاعف طيلة لبثه في البرزخ .