قوله تعالى:{يأهل الكتب فقد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير} هذا خطاب كريم ومثير لأهل الكتاب يعلن فيه الله عن جيئة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مبينا لهم الأحكام والشرائع التي تحقق لهم المصالح النافعة وتدرأ عنهم الشرور والمفاسد في المعاش والمعاد .أو ليبين لهم ما أخفوه عن الناس مما في كتبهم وما اختلفوا فيه وما زعموه وافتروه من دعاوى واختلاقات عن تميزهم وتفضيلهم على سائر البشر .يبين الله لهم عن طريق رسوله الكريم حقيقة الدين القائم على التوحيد الخالص لله بعيدا عن المغالاة والإفراط والضلالات وشرود الذهن والتصور .
قوله:{على فترة} من الفتور وهو السكون .فتر ،أي سكن بعد حدة ولان بعد شدة .والفترة ما بين كل نبيين فالمراد بالفترة عند جميع المفسرين ما بين الرسولين{[928]} فالمعنى المقصود أن الله بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من الوحي ،أو بعد مدة متطاولة بين إرساله وعيسى ابن مريم .وهذه المدة موضع تفصيل واختلاف لا حاجة للخوض فيه .
قوله:{أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير} أي لئلا تقولوا ،أو كراهية أن تقولوا – متذرعين محتجين – إنه ما جاءكم من نبي مبشر ولا منذر يبلغكم وينهاكم .قال ابن عباس: قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود: يا معشر يهود اتقوا الله ،فوالله إنكم لتعلمون أن محمدا رسول الله ،ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه بصفته .فقالوا: ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بعده من بشير ولا نذير فنزلت الآية{[929]} .
قوله:{فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير} وذلك رد لاعتذارهم واحتجاجهم فقد أرسل الله إليهم بمبعوثه محمد صلى الله عليه وسلم ليبين لهم ما أشكل عليهم ،وما اختلفوا فيه كيلا يقولوا: لم يأتنا رسول يبين لنا ما نحن عليه من الضلالة والانحراف .فذلكم هو الرسول الأمين قد جاءكم بالحق مبشرا ونذيرا يبين لكم منهج الله الذي فيه صلاحكم وشفاؤكم .فمن آمن وصدق جوزي الفوز ،ومن أعرض وصدف فقد باء بالغضب والنار .والله جلت قدرته قادر على فعل ذلك كله .بل إنه لا يعجزه أن يفعل ما يشاء{[930]} .