قوله تعالى:{مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين 5 قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين 6 ولا يتمنّونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين 7 قل إن الموت الذي تفرّون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} .
يندد الله بهذه الفئة من بني إسرائيل وهم اليهود إذ آتاهم الله التوراة فيها هداية للناس وفيها البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم فلم يطيقوا التزامها ولم يعلموا بما فيها من الأوامر والنواهي والأحكام ،بل استنكفوا ومالوا إلى ما تستمرئه أهواؤهم وطبائعهم من الشهوات والضلال ،فضلا عما فعلوه من تحريف لكلام الله وتبديل لكلماته ومعانيه ،وإخفاء لذكر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وطمس لاسمه من التوراة .فمثلهم في ذلك مثل السوء إذ شبههم الله بالحمار يحمل على ظهره أسفارا أي كتبا .والمفرد ،سفر ،وهو الكتاب الكبير ،أو جزء من أجزاء التوراة{[4536]} .
والحمار البهيم يمشي على الأرض ساربا لا يعي ولا يفهم ولا يدري ما الذي على ظهره .وهو يستوي عنده أن يحمل على ظهره كتبا في الخير والعلم أو أحمالا ثقالا من الحجارة والطين .وهذه حقيقة الذين يزعمون أنهم متدينون بدين الله ومن حولهم وفي أيمانهم كتاب الله فيصطنعون الإيمان به والغيرة عليه اصطناعا وهم مجافون لأحكامه متحللون مما فيه من الأوامر والزواجر .فأولئك حالهم كحال الحمار يقلّ على ظهره الكتب وهو لا يعلم ما يحمل{بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله} مثل ،فاعل بئس .والمخصوص بالذم ،الإسم الموصول بعده .وقيل: محذوف ،وتقديره: بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء{[4537]}{والله لا يهدي القوم الظالمين} أي لا يجعل الله الهداية والتوفيق للذين يظلمون أنفسهم باختيارهم الباطل واستبدالهم الضلال بالهدى .