قوله تعالى:{ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 9 فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله لعلكم تفلحون}
الجمعة: من الجمع ،إذ يجتمع المسلمون في كل أسبوع مرة في المسجد الكبير .ويوم الجمعة ،يوم كريم ومبارك .فقد ثبت في الأحاديث الصحاح أن الجمعة سيد الأيام ،فيه خلق آدم ،وفيه أدخل الجنة ،وفيه أخرج منها ،وفيه تقوم الساعة ،وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه .
قوله:{إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} يعني إذا نادى المؤذن للصلاة في يوم الجمعة فامضوا أو اذهبوا{إلى ذكر الله} أي أداء الصلاة .على أن المراد بالنداء ههنا ،النداء الثاني الذي كان يفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج فصعد المنبر ثم جلس فكان حينئذ يؤذن بين يديه .أما النداء الأول فهو الذي زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان .وإنما فعل ذلك لكثرة الناس .فقد روى البخاري عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر .فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس زاد النداء الثاني على الزوراء .يعني يؤذن به على الدار التي تسمى الزوراء وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد .وقال مكحول: كان في الجمعة مؤذن واحد حين يخرج الإمام ثم تقام الصلاة ،وذلك النداء الذي يحرم عنده الشراء والبيع إذا نودي به ،فأمر عثمان ( رضي الله عنه ) أن ينادى قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس .
على أنه يستحب للمصلي يوم الجمعة قبل أن يأتي إلى الصلاة أن يغتسل .فقد ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل "وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام ،يغسل رأسه وجسده ".
والجمعة مفروضة على كل مسلم ذكر مكلف .وهو قول عامة العلماء ،خلافا لمن يقول: إنها فرض على الكفاية .والصواب وجوبها على العين لقوله تعالى:{إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} وإنما يؤمر بصلاة الجمعة كل رجل عاقل بالغ حر غير ذي عذر .وبذلك لا تجب الجمعة على الصبيان والعبيد والنساء وأولى الأعذار كالمرضى والزمنى والمسافرين والكبار الذين يصعب عليهم المشي إلى المسجد ،والعميان الذين لا يجدون من يقودهم .
واختلفوا فيمن يأتي الجمعة من القريب والبعيد .فقد قيل: تجب الجمعة على من في المصر على ستة أميال من المسجد .وهو قول عمر وأنس وأبي هريرة .وقيل ثلاثة أميال ،وهو قول مالك والليث .وقال الشافعي: المعتبر في ذلك سماع الأذان فمن سمعه وجب في حقه الحضور لصلاة الجمعة .وإنما الاعتبار في ذلك عند أبي حنيفة وأصحابه ،الدخول في المصر .فتجب الجمعة على من كان في المصر ،سمع النداء أو لم يسمعه .أما من كان خارج المصر فلا تجب عليه الجمعة وإن سمع النداء .
ولا تسقط الجمعة عن المكلف ،لكونها في يوم عيد ،خلافا للإمام أحمد إذ قال: إذا اجتمع عيد وجمعة سقط فرض الجمعة لتقدم العيد عليها واشتغال الناس بالعيد عن الجمعة .
قوله:{وذروا البيع} أي اتركوا البيع وامضوا إلى الصلاة إذا نودي لها ،واختلوفوا في وقت النهي عن البيع .فقد قيل: يحرم البيع بزوال الشمس .وقيل: يحرم بالنداء .واختلفوا أيضا في جواز البيع عند النداء للصلاة .فقد ذهبت الحنيفة والشافعية إلى وقوع البيع مع النهي .وعند المالكية: يجب ترك البيع إذا نودي للصلاة ،ويفسخ إذا وقع في ذلك الوقت .
قوله:{ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} الإشارة عائدة إلى السعي إلى ذكر الله وترك البيع .فذلك خير لكم عند ربكم ،إذ يجزيكم بذلك خير الجزاء .