قوله تعالى:{وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} تأذن ،بوزن تفعل ،من الإيذان وهو الإعلام .وأذن بمعنى علم .وآذت بالمد معناه أعلم .وأذن ،بالتشديد ؛أي نادى .والأذن معناه الإعلام{[1563]} وتأذن ،أجرى مجرى فعل القسم ،كقوله:{شهد الله ،وعلم الله .ولذلك أجيب بما يجاب له القسم .وهو قوله{ليبعثن عليهم} أي اليهود .والمعنى: وإذ حتم ربك وكتب على نفسه{ليبعثن عليهم} أي ليسلطن على اليهود{إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} وذلك إعلان قائم مسلط مجلجل نادى به الله ليكون إخبارا للعالمين أنه الله مرسل على اليهود من الأقوام والأمم والشعوب من يسلطهم عليهم تسليطا فيسمونهم –أي يذيقونهم- سوء العذاب ،وهو أشده وأنكاه ،من الإذلال والصغار والمهانة ،جزاء تفريطهم في حق الله وقتلهم الأنبياء بغير حق ،وإفسادهم في الأرض وتمالؤهم على رسالة الله والداعين إليه في كل زمان ومكان .ولسوف يظل هذا الإعلان والنذير قائما مسلطا لا يزول ولا يتغير إلى يوم القيامة ما دامت يهود تعيث في الأرض فسادا وتخريبا .وما داموا يثيرون الفتن والقلاقل والحروب بين بني البشر .وما داموا يصطنعون الشبهات والافتراءات والأباطيل من حول الإسلام والمسلمين .لسوف يظل النذير بالتسليط والسوم بسوء العذاب قائما مولولا{[1564]} إلى نهاية الزمان .فما تتوالى الأيام والسنون حتى يبعث الله على اليهود من الأمم{من يسومهم سوء العذاب} مثلما سامهم بختنصر ؛إذ سباهم سبيا ،وقتل رجالهم قتلا ،ودمر عليهم تدميرا .ومثلما فعل بهم ملوك النصارى ورؤساؤهم خلال العصور السابقة والوسطى ،مرورا بالعصر الحديث حيث الإذلال والتقتيل بالجملة ؛كالذي فعله بهم النازيون في هذا القرن .كل ذلك بلاء وسوء عذاب أصابهم بسبب عصيانهم وعتوهم .وما زال الإعلام والنذير من الله بسوء العذاب قائما لا يتغير ولا يتبدل حتى تقوم الساعة ويومئذ يفضي الظالمون والمجرمون والخائنون إلى جهنم وبئس المصير .
قوله:{إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} أي إن ربك يا محمد سريع عقابه إلى من يستحق العقوبة من الكافرين والظالمين والعصاة ،الذين يتجبرون في الأرض ويعيثون في الدنيا الفساد ويشيعون الظلم والمصائب والنوائب بين العباد .إن الله منتقم من هؤلاء لا محالة ،فمجازيهم الجزاء الألم المواجع في هذه الدنيا .والله لكل العتاة والمجرمين والخائنين والمتربصين بالمرصاد ؛فهو آخذهم بالعذاب البئيس على غرة من حيث لا يحتسبون .وفي المقابل فإن الله ساتر لدنوب التائبين والنادمين وزلاتهم ،عظيم الصفح عن خطايا المنيبين إليه وعن معاصيهم{[1565]} .