شرح الكلمات:
{في ريب من البعث}: الريب الشك مع اضطراب النفس وحيرتها ،والبعث الحياة بعد الموت .
{من نطفة}: قطرة المنّي التي يفرزها الزوجان .
{علقة}: أي قطعة دم متجمد تتحول إليه النطفة في خلال أربعين يوماً .
{مضغة}: أي قطعة لحم قدر ما يمضغ المرء تتحول العلقة إليها بعد أربعين يوما .
{وغير مخلقة}: أي مصورة خلقاً تاماً ،مخلقة وغير مخلقة هي السقط يسقط قبل تمام خلقه .
{لنبين لكم}: أي قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم بابتداء خلقكم كيف يكون .
{ونقر في الأرحام ما نشاء}: أي ونبقي في الرحم نمن نريد له الحياة والبقاء إلى نهاية مدة الحمل ثم نخرجه طفلاً سوياً .
{لتبلغوا أشدكم}: أي كمال أبدانكم وتمام عقولكم .
{إلى أرذل العمر}: أي سن الشيخوخة والهرم فيخرف .
{لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً}: أي فيصير كالطفل في معارفه إذ ينسى كل علم علمه .
{هامدة}: خامدة لا حراك لها ميتة .
{اهتزت وربت}: أي تحركت بالنبات وارتفعت ترتبها وأنبتت .
{زوج يهيج}: أي من كل نوع من أنواع النباتات جميل المنظر حسنه .
المعنى:
لما ذكر تعالى بعض أحوال القيامة وأهوالها ،وكان الكفر بالبعث الآخر هو العائق عن الاستجابة للطاعة وفعل الخير نادى تعالى الناس مرة أخرى ليعرض عليهم أدلة البعث العقلية لعلهم يؤمنون فقال:{يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث} أي في شك وحيرة وقلق نفسي من شأن بعث الناس أحياء من قبورهم بعد موتهم وفنائهم لأجل حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم التي عملوها في دار الدنيا فإليكم ما يزيل شككم ويقطع حيرتم في هذه القضية العقدية وهو أن الله تعالى قد خلقكم من تراب أي خلق أصلكم وهو أبوكم آدم من تراب وبلا شك ،ثم خلقكم أنتم من نطفة أي ماء الرجل وماء المرأة وبلا شك ،ثم من علقة بعد تحول النطفة إليها ثم من مضغة بعد تحول العلقة إليها وهذا بلا شك أيضاً ،ثم المضغة إن شاء الله تحويلها إلى طفل خلقها وجعلها طفلاً ،وإن لم يشأ ذلك لم يخلقها وأسقطها من الرحم كما هو معروف و مشاهد ،وفعل الله ذلك من أجل أن يبين لكم قدرته وعلمه وحسن تدبيره لترهبوه تعظموه وتحبوه وتطيعوه وقوله:{ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً} أي ونقر تلك المضغة المخلقة في الرحم إلى أجل مسمى وهو ميعاد ولادة الولد وإنهاء حمله ونخرجكم طفلاً أي أطفالا صغاراً لا علم لكم ولا حلم ،ثم ننميكم ونربيكم بما تعلمون من سننا في ذلك{ثم لتبلغوا أشدكم} أي تمام نماء أبدانكم وعقولكم{ومنكم من يتوفى} قبل بلوغه أشده لأن الحكمة الإلهية اقتضت وفاته ومنكم من يعيش ولا يموت حتى يرد إلى أرذل العمر فيهرم ويخرف ويصبح كالطفل لا يعلم بعد علمٍ كان له قبل هرمه إذ الذي خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة يوجب العقل قدرته على إحيائهم بعد موتهم ،إذ ليست الإعادة بأصعب من البداية .
ودليل عقلي آخر هو ما تضمنه قوله تعالى:{وترى الأرض} أيها الإنسان{هامدة} خامدة مميتة لا حراك فيها ولا حياة فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء من السماء{اهتزت} أي تحركت{وربت} أي ارتفعت وانتفخت تربتها وأخرجت من النباتات المختلفة الألوان والطعوم والروائح{من كل زوج بهيج} جميل المنظر حسنه ،أليس وجود تربة صالحة كوجود رحم صالحة وماء المطر كماء الفحل وتخلق النطفة في الرحم كتخلق البذرة في التربة وخروج الزرع حياً نامياً كخروج الولد حياً نامياً وهكذا إلى حصاد الزرع وموت الإنسان فهذان دليلان عقليان على صحة البعث الآخر وأنه كائن لا محالة وفوق ذلك كله إخبار الخالق وإعلامه خلقه بأنه سيعيدهم بعد موتهم فهل من العقل والمنطق أو الذوق أن نقول له لا فإنك لا تقدر على ذلك قولة كهذه قذرة عفنة لا يود أن يسمعها عقلاء الناس وأشرافهم .ولما ضرب تعالى هذين المثالين أو ساق هذين الدليلين على قدرته وعلمه وحكمته المقتضية لإعادة الناس أحياء بعد الموت والفناء للحساب والجزاء .
الهداية
من الهداية
- بيان تطور خلق الإنسان ودلالته على قدرة الله وعلمه وحمته .
- الاستدلال على الغائب بالحاضر المحسوس وهذا من شأن العقلاء فإن المعادلات الحسابية والجبرية قائمة على مثل ذلك .