{الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنهم مِّنْ خوْفٍ} في ما جعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم ،وما هيّأه لهم من فرص التبادل التجاري مع المناطق الأخرى انطلاقاً من بركة البيت عليهم ،من خلال طبيعة الوجاهة التي حصلوا عليها في الناس من خلاله{وآمَنَهُم مِّنْ خوْفٍ} بملاحظة ما جعله الله من حرمة هذا البيت ،فلا يعرض له أحدٌ بسوء .
وإذا كان الله يأمرهم بعبادته ،فلأنّ العبادة تمثل لوناً من ألوان الشكر على هذه النعمة المزدوجة: الأمن والرخاء ،إلى جانب النعم الوفيرة الأخرى التي يتقلبون فيها بكل ما تختزنه الحياة من الخيرات في حركة وجودهم ،ولأن العبادة هي العنوان الذي يمنح هذا البيت قدسيته وروحيته ومعناه ،في ما يطوف الناس به كرمزٍ للطواف حول المواقع التي يرضاها الله ويحبها ،وفي ركوع الراكعين وسجود الساجدين حوله ،امتثالاً لأمر الله ،وتأكيداً للإقرار بتوحيده ،ورفض كل الأوثان التي يعبدها الناس من دونه تعالى ،ليخرجوا في أجواء عبادته من أجواء عبادة الأصنام ،لينزِّهوا أنفسهم عن ذلك ،وليطهّروا البيت منها ،كما أراد الله لإبراهيم( ع ) وإسماعيل( ع ) أن يطهِّرا هذا البيت منها ،للطائفين والرُّكّع السجود .
ولأن العبادة هي الحركية الروحية الإنسانية التي يعيش فيها الإنسان الروح المتحررة من كل عبودية لمن حولها ومِنْ حولها من خلال الشعور بأصالة الإنسان أمام كل الموجودات ،واستقلاله عنها ،فليس لشيء منها أيّة سلطة عليه ،في أيّ شأن من شؤونه ..لأن اللهوحدههو سيد الكون الذي تقف كل الموجوداتبما فيها الإنسانلتكون عبيداً له ،من موقع خلقه لهم ،وتدبيره لشؤونهم ،وحاجاتهم إليه في كل شيء ،واستغنائه عنهم في كل شيء .