...وعاد إخوة يوسف من مصر إلى بلادهم ،يحملون الطعام لأهلهم ،كما يحملون همَّ إقناع أبيهم بإرسال أخيهم معهم إلى عزيز مصر ،ليتمكنوا من الاستمرار في التجارة الرابحة التي وجدوا فيها الحلّ لمشكلتهم الاقتصادية ،لأن توثيق العلاقة بالعزيز يسهل ذلك ،بينما يؤدي تعقيد العلاقة به ،إلى مزيد من الخسارة والحرمان .لقد كانوا يعيشون هذا الهمّ في نفوسهم ،لأنهم كانوا يعلمون أن أباهم لا يثق بأنهم سيحافظون على أخيهم ،فقد سبق أن وافقهم على خروج أخيهم يوسف معهم ،فجاءوا إليه في المساء ،يحملون قميصه الملطّخ بالدم الكاذب ،زاعمين أن الذئب قد أكله .ولكنهم اتفقوا على مواجهة الموضوع بحزمٍ عاطفيٍّ معه ،مقتنعين بأنه سيخضع لهذا الطلب ،تحت تأثير الحاجة الناشئة عن الأزمة التي يعيشها الجميع .
{فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ} واستراحوا إليه ،وأخذوا يحدثونه عمّا قالوه وما عملوه ،وما جاءوا به من الطعام ،وما لقوه من العزيز من حسن وفادة وجميل رعاية ،حتى إذا وصلوا إلى حديث العودة من جديد ،للحصول على ما يحتاجونه من الطعام مرّة ثانية ،بعد نفاذ ما جاءوا به ،ذكروا له الشرط الصعب الذي اشترطه العزيز عليهم ،{قَالُواْ يا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} في المرة الثانية ،إلا أن يكون معنا أخونا غير الشقيق ،ليكتمل عددنا أمام العزيز ،{فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ} الطعام الذي نحتاج إليه ،لأن ذلك هو السبيل الوحيد للحصول على الكيل ،{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} في تأكيد يستهدف زرع الثقة في نفسه من خلال المواثيق التي يعطونها له ،لإذهاب القلق من نفسه .