{رِزْقُهَا رَغَداً}: الرزق الواسع .
{بِأَنْعُمِ}: الأنعم: جمع نعمة .
ضرب الأمثال للعبرة
يهدف المثل القرآني أحياناً إلى إيصال الإنسان إلى ساحة الخير من خلال إثارة تهاويل الشرّ في خياله ،وإلى ساحة الأمن من خلال حشد صور الخوف في ذهنه ،لتتحول تلك التهاويل والصور إلى مشاعر وأحاسيس مسحورة بمعاني الخير والأمن والطمأنينة ،لتحوّل المعاني الحلوة إلى واقعٍ حلوٍ جميل يمتد من الصورة الحلوة الجميلة ،فيستمر في تحريكها مع الواقع الحي في كل زمان ومكان ،وهو ما نجده في هذه الآيات .
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ} ،فهي تعيش الأمن بدون خوفٍ ،والطمأنينة بدون قلقٍ ،والاكتفاء الذاتي في المأكل والملبس والمشرب دون جهدٍ أو عناء ،{فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} ،ولكنها لم تشكر الله على ذلك كله ،بما يفرضه هذا الجو الآمن المطمئن الغنيّ من انضباط في العلاقات والأعمال والأقوال ،وابتعاد عن الاعتداء والإساءة إلى حياة وحرية أي إنسان ،وعدم إثارة القلق والاهتزاز الروحي والمادي والمعنوي في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ،بوضع الخطط الشريرة التي تقود إلى أكل أموال الناس بالباطل ،والاتجاه بالمال إلى غير ما يريده الله ،بإفساد الحياة من خلاله ،ففي خطوات كهذه كفر عملي بالله ونعمه ،وهو ما حصل لهذه القرية التي كفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ،فأجاعها بعد شبع ،وأخافها بعد أمن ،ولكن لا كعقوبة على العمل ،بل كنتيجة طبيعية لخصائص ذاك العمل في طبيعته ،تماماً ،كما هي النتيجة المتصلة بمقدمتها ،والسبب بمسببه ،وذلك قوله تعالى:{بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} ،فهم يجوعون ؛لأن أعمالهم السيئة تؤدي إلى الفقر الذي ينتج الجوع ،وهم يخافون ؛لأن المشاكل والمعارك التي يثيرونها تطرد الأمن .