{يَخْصِفَانِ}: جعلا يلصقان ورقة على ورقة .
{فَغَوَى}: الغيّ: خلاف الرشد .
{فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} في ما يعنيه ذلك من الإحساس بالعري الذي يعيشان معه الشعور بالعار والخزي في الوقت الذي كانا يتحركان ببساطة من دون مراعاة لوجود شيء في جسديهما يوحي بالستر ،لأن مسألة الخطيئة في أفكارهما وأحلامهما لم تكن واردة في منطقة الشعور لديهما ،ولهذا كانا لا يشعران بوجود عورة ،لأن ذلك هو وليد الشعور بالمنطقة الخفية من شخصية الإنسان في ما يختزنه في داخله من أفكار وأحاسيس كامنة في الذات .{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} في عملية تغطية وإخفاء وتخلص من العار ،{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} وابتعد عن خط الرشد الذي يقود الإنسان الى ما فيه صلاحه في حياته المادية والمعنوية ،ولكن هذا الانحراف الطارىء البسيط لم يكن حالة معقّدة في عمق الذات تفرض عليه الاستسلام للخطيئة كعنصر ذاتي لا يملك الانفكاك منه ،بل هو حالة إنسانية تستغرق في الغفلة لحظة ثم تثوب إلى رشدها ،لتدخل في عالم الاستقامة من جديد ..
كيف نفسر معصية آدم ( ع ) ؟
وهناك حديث كثير في علم الكلام ،عن معصية آدم ،باعتباره نبياً معصوماً ،في ما تفرضه صفة النبوة من العصمة التي تحمي المجتمع من انحرافه في مقام الدعوة ،أو في مقام التطبيق ،ويتساءل العلماء عن الآية التي تصرّح بالمعصية ،ويجيبون تارة بأن الجنة ليست موضع عمل أو تكليف حتى تكون محلاً لإثارة مشكلة الخطأ والصواب ،وأخرى ،بأن المعصية ليست لأمر تكليفي يستتبع الجزاء والعقاب ،بل هي لأمر إرشادي يستتبع الضرر الذاتي الذي يترك تأثيره على حياة الإنسان بعيداً عن مواقع الانحراف الفكري والروحي الذي يضر بالحياة العامة للمجتمع .ويدور حديث آخر حول العصمة ،وهل هي عبارة عن سر مكنون في الذات يولد مع النبي ،فلا يمكن أن ينفصل عنه ؟أو هي عبارة عن حركة المسؤولية المنطلقة في حياته من مواقعها المراعية للإرادة الإلهية التي تمنحها الإيمان وقوة الالتزام والانضباط أمام الاهتزاز في الإرادة تحت ضغط نقاط الضعف ؟ويثير آخرون مسألة نبوة آدم بالمعنى المصطلح لدور النبي ،وما يعنيه من حمل رسالة تتحرك في خط الدعوة والتبليغ ،وينقسم الرأي في إعطاء معقولية لدوره كرسول ،فمنهم من ينكرها لفقدان المجتمع الذي يمكن أن يشكل ساحة للدعوة ،ومنهم من يثبتها لأن فعليتها ،أي ممارسة الدور فيها ستتحدد في المستقبل بعد أن يتحول الجيل الجديد إلى مجتمع يبحث عن القاعدة الفكرية الروحية ،لقيام بنائه .
وهكذا أثارت هذه الآية الكثير من الحديث عن جانب العصمة لدى الأنبياء بشكل عام من خلال الإيمان بنبوة آدم ،وعن نبوة آدم بالذات في ما ألمحنا إليه مما لا نجد كبير فائدة في الدخول في تفاصيله في هذا البحث التفسيري .ولكننا نستفيد منها نقطتين:
الأولى: إن النبوة تلتقي بمواقع الضعف البشري في أكثر من موقع ،ولا تفرض الكمال الذي يبتعد عن طبيعته البشرية .
الثانية: إن القرآن لا يريد أن يعطي النبي هالة مقدسة في مجال التصور ،بل يريد أن يدفع بالتصور إلى أن يتحرك بشكل طبيعي في فهم الشخصية من خلال البعد الظاهري الذي يكشف عن العمق الداخلي ،عبر الوسائل العادية التي يملكها الناس في معرفة عمق الأشياء من خلال ظواهرها .