"الفاء"عاطفة ، أي بعد هذه الوسوسة المستمرة غير المنقطعة أكلا منها ، ويلاحظ أنه في هذه الآية ذكر فيها آدم فقط وفي آية أخرى كانت الوسوسة لهما معا ، إذ قاسمهما الشيطان إنه لهما من الناصحين ، والآية التي ذكر فيها آدم فقط لا تمنع أن حواء كانت تستمع معه ، وأن الإغراء كان لهما ، لأحدهما بالخطاب وللآخر بالاستماع مع المشاركة في الخطاب .
{ فأكلا منها} أي من الشجرة التي حرمت عليهما في قوله تعالى في الآيات ،{. . . .ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين 35} ( البقرة ) ، وبمجرد أن أكلا منها بدت لهما سوءاتهما أي عوراتهما ، فالعورة يسوء النظر إليها ، وليس النظر إليها سارا عند أهل الطبائع المستقيمة ، وكشف السوءتين في هذا الموضع فُهِم منه بعض القارئين للقرآن الكريم أن الشجرة الممنوعة تتعلق بالجنس ، ولكن الله تعالى لم يبين ورسوله لم يفسر ، فحق علينا ألا نَقْفُ ما ليس لنا به علم .
وقد قال:إنه عقب بدوِّ السوءتين لهما أنهما أخذا يخصفان عليهما الأوراق فقال تعالى:{ طفقا} أخذا واستمرا ، من جرّاء كشف عوراتهما واستحيائهما من انكشافها{ يخصفان عليهما من ورق الجنة} .
ومهما يكن من حالهما التي انكشفت ، فإن آدم الكريم عصى ربه الذي خلقه وأمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يكن في طاعة تقيه ذلك الانكشاف ، وتجنبه إبليس وسوسته{ فغوى} أي ضل ووقع في الغواية والضلال .
وفي هذا الكلام ما يشير ، أولا:إلى أن الإنسان يؤتي من ناحية ما يتمنى ، وإبليس وذريته يأتون من ناحية أمانيه ، وتشير ثانيا:إلى أن الإرادة القوية هي العزم الصادق ، وهي التي تمنع أو تقاوم وسوسة الشيطان .
وتشير ثالثا:إلى أن فتنة الجنس أشد الفتن ، وقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر:
أنه ما ترك فتنة أشد من فتنة النساء للرجال{[1496]} .
بعد هذا العصيان من أبينا آدم لم يعد له هو وإبليس مقام في جنة الله ، بل لا بد أن ينزلا إلى المعترك في الأرض ، ولكن قبل أن ينزل من جنة الله التي لا تكليف فيها إلى أرض التكليف لابد أن يطهره الله من المعصية التي زل فيها بوسوسة الشيطان .