{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناهَا} بعد أن كفرت وتمرّدت وعصت ربها وانحرفت عن الصراط المستقيم ،{أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} ولكن ما معنى ثبوت الحرمة وتعلقها بعدم رجوعهم ،مع أن المقصود كما هو الظاهر من السياق ،هو نفي رجوعهم ،ما يفرض أن تكون الحرمة ،بمعنى الترك ،متعلقة بالرجوع ؟
واختلفت الآراء في تفسير ذلك ،بين من حكم بزيادة كلمة «لا » وبين من ضمّن كلمة «حرام » معنى الواجب ،وبين من فسّر الهلاك بمعنى الحكم به ،واعتبر أن المعنى ،على ذلك ،هو امتناع رجوع هؤلاء المحكومين بالهلاك بذنوبهم ،إلى التوبة ؛وبين من حمل الرجوع على ما بعد الموت ،وبذلك يكون المعنى أن الذين أهلكهم الله بالعذاب في الدنيا حرامٌ عليهم أن لا يرجعوا بعد الممات ،بل سيرجعون إلى الحياة ليواجهوا أعمالهم في يوم الحساب .
وهناك توجيهٌ آخر للآية ،يرتكز على أن التعبير جار على أسلوب المجاز العقلي ،حيث وضع فيه نتيجة تعلق الفعل بشيء ،وهو ما يؤول عليه حال المتعلِّق بعد تعلقه به موضع نفس المتعلق ،فإذا كانت الحرمة تؤدي إلى الترك ،كان من المناسب التعبير عن النتيجة وهي عدم الرجوع تدليلاً على نفوذ الفعل وتأكّده ،نظير قوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [ الأعراف:12] ،حيث وضع عدم السجدة الذي هو النتيجة ،موضع نفس السجدة التي هي متعلق المنع ،وهذا هو ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر( ع ) أنه قال: «كل قرية أهلكها الله بعذاب فإنهم لا يرجعون » .
وربما يخطر بالبال أن الآية تتحدث عن الحرمة لا بمعنى التكليف ،أو الامتناع الواقعي ،بل بمعنى التأسُّف عليهم ،لأنهم عرّضوا أنفسهم بالمعصية أو الكفر ،ولأنهم لا يرجعون إلى الله فيتوبون إليه لينقذوا أنفسهم من ذلك ،وربما كان هذا غير منافٍ لما جاء في الرواية عن الباقر( ع ) ،لأنها تقرر عدم رجوعهم ،ولا تتحدث عن طبيعة تعلق الحرمة بعدم الرجوع .والله العالم .