{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} ،فهو الذي بيدهبالمطلقملكوت كل شيء ،فكل شيء مملوك له خاضع له ومحتاج إليه ،{قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي تتخيلون الأشياء في سلوككم العملي على خلاف ما هي عليه ،فإذا كنتم تقرون بالله الذي يملككم ويملك ما تملكون ،ويحميكم من الآخرين ولا يملك أحد أن يحميكم منه ،فلماذا تبتعدون عن ساحة رضوانه ،ومواقع الإيمان به ،والإذعان لقدرته على بعثكم من جديد ؟فكيف يتوهم عجز من بيده القدرة على كل شيء عن ذلك ؟والظاهر أن التعبير بالسحر عن حالة التخييل التي تقود إلى الضلال وارد على نحو الاستعارة والكناية ،باعتبار أن كلمة السحر تتضمن ذلك .
الأسلوب القرآني في إثارة الوجدان الشعبي
وهذا الأسلوب الذي يستخدمه القرآن لإثبات العقيدة من خلال مستلزماتها ،يرتكز على إثارة التفاصيل الدقيقة التي تلتقي بالقاعدة وتوضحها من خلال تحريك الجزئيات التفصيلية التي تثيرها في النفس شيئاً فشيئاً ،حتى يتعاظم الشعور بها ،فتتضح الصورة للنفس ،بعد أن كانت تبدو ضبابية تحت تأثير الأجواء الانفعالية وهيمنتها .
وقد يكون هذا الأسلوب ضروريّاً لإثارة الوجدان الشعبي الذي يتأثر بالأفكار المضادّة التي تشغله عن كثير من الدقائق التي تنطلق منها العقيدة ،وذلك من خلال تقديم الجانب المألوف من تجارب حياته كمقدمة لإثبات غير المألوف الذي يتصل بالغيب تارة ،وبالحسّ البعيد عن تجربته أخرى ،فنحتاج إلى الدخول معه بتفاصيل حركة المعرفة ،ليمكن توزيع إيحاءات الفكرةالأساس ،على أفكاره ومشاعره بطريقةٍ متدرجة تربطه بالمبدأ بشكل مدروس ،لأن الوجدان الشعبي ،كما نلاحظ ،لا يرتبط بالفكرة من خلال الخطوط الكلية ،بل من خلال الخطوط الجزئية .