قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شيء} الملكوت هو التعبير الآخر عن الملك ،وهو السلطنة على الأشياء من موقع الخلق والإبداع ..والسؤال الذي تطرحه الآية على هؤلاء يستهدف توجيه نظرهم إلى كل ما حولهم ومن حولهم ،من مخلوقات حية أو جامدة ،وثابتة أو متحركة ،وكبيرة أو صغيرة ،ليدرسوا نشوءها ونموّها وخصائصها الذاتية ،وليكتشفوا القوّة الكامنة فيها ،هل هي قوّة ذاتية تنطلق من الداخل ،أم هي قوة مستعارة أو مستمدة من قوّة أخرى تملكها وتملك كل مواقع القوّة فيها ؟إن السؤال يطرح نفسه على الإنسان عندما يفكر ،ويطرح نفسه على كل من يدعوهم إلى التفكير ،ليصل إلى معرفة القوّة التي تمنح الوجود كله ،بمفرداته الصغيرة والكبيرة ،سرّ القوّة والحركة والوجود والحياة ،هذه القوة التي يجسدها الله تعالى ،والتي هي القوة الوحيدة المستغنية عمّا عداها .
{وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تلك هي خصوصية الملك المطلق الذاتي الذي لا يستمد قوّته ومعناه من غيره ،فهناك من المالكين من قد يحمون غيرهم ويمنعون عنهم سيطرة القوى الأخرى وعدوانها عليهم ،ولكن القوى العليا المسيطرة على هؤلاء المالكين الأقوياء تستطيع حماية الناس منهم لو فكروا في العدوان عليهم ،فهؤلاء المالكون لا يملكون القوّة إلا من جانب واحد ،بينما يعيشون الضعف من الجانب الآخر ،فهم قد يمنحون الناس الحماية من غيرهم ،ولكنهم لا يستطيعون منع القوى الكبرى من حماية الناس منهم ..
ولكن السؤال الذي يطرح نفسهفي هذه الآية: من هو المالك الذي يملك كل شيء ،ويستطيع أن يجير كل أحد من كل سوء يعرض عليه ،من أي سبب في الأرض أو في السماء ،ولا يملك أحد أن يجير عليه إذا أراد أن يوقع السوء بأيّ شخص ؟هو الذي يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء ،كتعبيرٍ عن القوّة المطلقة التي تملك غيرها بكل وجوده وحركته ،ولا يملك غيرها شيئاً لديها في جميع الأمور .