وهذا حديث عن لون من ألوان الأدب الاجتماعي في الإسلام ،لجهة دخول الأولاد والرقيق على الكبار من أهل البيت ،حتى تتبنى التربية خطّاً واضحاً محدّداً في هذا المجال ،يمنع الانحراف من جهة ،ويوحي باحترام حرية الفرد في حياته الخاصة ،خاصةً في حالات الاسترخاء التي يخلو فيها الإنسان لأهله ولنفسه دون قيد ،ما يجعل البيت يعيش نظاماً متوازناً يعرف فيه كل واحدٍ موقعه وحدوده في ما يتعلق باقتحام خلوات الآخرين ،طفلاً كان أو بالغاً ..
{يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} من العبيد والإماء على سبيل التغليب{وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ} من المميّزين من الأطفال الذين يعيشون أجواء المعاني الجنسية للعلاقات بحيث يميزون بين وظائف الأعضاء ويفهمون طبيعة ذلك كله{ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِّنَ الظَّهِيرَةِ} وهو كناية عن كونهم على حالٍ لا يحبون أن يراهم الأجنبي عليها ،{وَمِن بَعْدِ صَلاةِ العشاء ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} لأنكم تكونون في هذه الحالة وحدكم أو مع أهلكم في حالة من التحرر في اللباس وفي الوضع الجسدي ،بحيث تستترون عن الآخرين فيها ،فلا تريدون أن يفاجئكم أحد على مثل هذه الحالة ،فلا بد لكم من أن تتولّوا تربيتهم وتعوّدوهم على عدم الدخول عليكم إلا بعد الاستئذان منكم في هذه الأوقات التي تعوّدتم فيها أن تأخذوا حريتكم الشخصية في داخل بيوتكم أو غرفكم ..
أمّا خارج هذه الأوقات التي لا يكون فيها الاسترخاء الجسدي حالةً طبيعيةً للشخص في بيته ،فلا مشكلة في ترددهم عليكم{لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} لأنكم تكونون في أوضاع محتشمة لا تسيء إلى خصوصياتكم وإلى طهارة تفكيرهم الذي ينبغي أن يعيشوه تجاه هذه القضايا الخاصة ،لذا فإن باستطاعتهم أخذ حريتهم في ذلك ،{طَوَافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} في ما يحتاجه كل واحد من الآخر في خدماته .
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيات} التي توضح للإنسان منهجه وطريقته في الحياة ،{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يعلم أحوالكم ويراعي قواعد الحكمة في ما يدبره من أموركم في تخطيط التشريع ،وفي حركة الواقع ..