ثم أشير إلى تتمة الأحكام السابقة ،إثر تمهيد ما يجب امتثاله من الأحكام ،ومن الترغيب والترهيب ،بقوله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي من العبيد والجواري{ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} أي هي ثلاث عورات لكم .إشارة إلى علة وجوب الاستئذان بأنهن أوقات يختل فيها التستر عادة ،ويكون النوم فيها مع الأهل غالبا .فالهجوم على أهل البيت في هذه الأحوال ،مما تأباه النفوس وتكرهه أشد الإباء والكراهة{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم} أي ليس عليكم جناح في ترك نهيهم عن الدخول بلا إذن .ولا عليهم جناح من الدخول بدونه ،بعد هذه الأوقات ،وإن احتمل فيها الإخلال بالتستر لندرته .وذلك لأنهم طوافون عليكم ،فيعسر عليهم الاستئذان في كل مرة{ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي بعضكم طائف على بعض طوافا كثيرا .أو بعضكم يطوف على بعض .
قال الزمخشري:يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة ،يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام .فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأدى إلى الحرج .{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ،وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يشرع ما فيه الحكمة وصلاح الحال وانتظام الشأن .
تنبيه:
في الآية إقرار ما جرت به العادة من أن النوم وقته بعد العشاء وقبل الفجر ووقت الظهيرة .وقد يستدل بها على أن كشف العورة في الخلوة جائز .كذا في ( الإكليل ) .
وقال الرازي:الآية دالة على أن الواجب اعتبار العلل في الأحكام إذا أمكن لأنه تعالى نبه على العلة في هذه الأوقات الثلاثة من وجهين:أحدهما بقوله تعالى:{ ثلاث عورات لكم} والثاني بالتنبيه على الفرق بين هذه الأوقات الثلاثة ،وبين ما عداها ،بأنه ليس ذاك إلا لعلة التكشف في هذه الأوقات الثلاثة ،وأنه لا يؤمن وقوع التكشف فيها وليس ما عدا هذه الأوقات .