{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُواْ لِلرَّحْمَنِ} الذي خلقكم من موقع رحمته التي امتدت إلى كل جوانب حياتكم فأفاضت عليكم النعم الوفيرة في كل زمان ومكان ،{قَالُواْ وَمَا الرَّحْمَنُ} كأنّهم لا يعرفون عنه شيئاً ،كما لو كنت تحدثهم عن شخص بشري مسمّىً بهذا الاسم ،إمعاناً منهم في العناد والتجاهل والابتعاد عن مواجهة الحقيقة المطلقة المتمثلة بالله في إشراق نور معرفته التي تمتد في العقل والقلب والشعور ،وتتحرك في كل ظاهرة كونية من ظواهر الوجود ،ناطقةٍ بعظمته ،دالةٍ على وجوده ،ويتصاعد جوّ الاستكبار والإصرار في منطقهم ،ليتحدثوا معه من منطق الاستعلاء الذي يشعرون به تجاهه .
{أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} هل أنت الشخص الذي يفرض إرادته علينا بالسجود لمن لا نعرفه ،أو لما لا نعرفه ،وإن لم نقتنع به ،فمن أنت ؟وما موقعك ؟وبم امتزت علينا لنطيعك في ما تأمرنا ،ولنتعبد بأقوالك وتعليماتك ؟
{وَزَادَهُمْ نُفُوراً} وهروباً منه وابتعاداً عنه ،لأنهم لا يريدون الالتزام بالخط المستقيم الذي يحررهم من كل عوامل الانحراف ،ومن نوازع العبودية والخضوع للشيطان .
وقد نلاحظ في أسلوب المشركين ،أن المسألة عندهم لم تكن مسألة مناقشة الرسول في طرحه عليهم عبادة الله الرحمن ،بل كانت مسألة هروبٍ من الدخول في البحث الجدِّي للقضية ،لأنهم كانوا يستهدفون مواجهة الدعوة بكل الأساليب المتعنتة ،أو الساخرة ،من أجل إسقاط روح الرسول ،وتشويه صورة الرسالة .
وهذا ما يجب للداعية أن يعيشه عندما ينطلق أعداء الدعوة لمواجهته بالأساليب المماثلة بغية إسقاط روحه ،وتشويه دعوته ،فلا ينفعل ،ولا يسقط ،ولا يتزلزل ،بل يواجه ذلك كله ،بما يستحقه من الردّ الحاسم بالحكمة ،والقوّة ،والأسلوب المتّزن المنفتح على كل جوانب القضية وأعماق المشكلة .