بعد ذكر هذا الخلق ، وهذا التكوين العجيب ، والإشارة إلى خلق الله تعالى الوجود كله في أدواره المحكمة أعاد بيان حال المشركين في مكة التي يتعلقون بألفاظ يدورون حولها غير متعلقين ولا مدركين ، فقال عز من قائل:
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ( 60 )} .
لم يكونوا يذكرون الله تعالى بلفظ الرحمن ، فهم لا يعرفونه إلا باسم الله تعالى ، فلما ذكره باسم الرحمن استنكروا هذا الاسم ، وكأنهم لا يقرونه ، قالوا:{ وما الرحمن} الواو عاطفة على محذوف ، كأنهم يقولون سمعنا قولك من قبل ، وما هذا الذي تريده وتسمية الرحمن ، كأنهم يحسبون أنه شيء غير الله تعالى ، أتريد أن نسجد لما تأمرنا ، وكأنهم يقولون تأمرنا بألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئا ، وتريد أن تأمرنا أيضا بأن نسجد لهذا الرحمن ، كأن المسألة بيننا وبينك ليس أمر التوحيد تدعو إليه ، إنما أنت تعادي آلهتنا بآلهة أخرى ، ومرماهم أنك تتحكم في عبادتنا ، ولا تخالفنا في شركنا ،{ وَزَادَهُمْ نُفُورًا} ، أي زادهم الأمر بالسجود للرحمن نفورا ، لأن من لا يدرك يزداد نفورا بجهالته ، وعدم معرفته ، لأنهم ضلوا ، وعقولهم الضالة تزداد نفورا ، كما أن نزول السورة يزيدهم كفرا .
وقال تعالى:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} عبر بالفعل المبني للمجهول ، ولم يذكر الفاعل ، وقد علم من البعض ، لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم{ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} والسجود هنا العبادة ، أو الصلاة من بينها ، لأن أظهر مظاهر العبادة الخضوع وأظهر مظاهر السجود لله سبحانه وتعالى .
وذكر الفعل مبنيا للمجهول للإشارة إلى نفورهم من أصل تسمية الله بالرحمن ، وكانوا يحسبونه غير الله تعالى ويقولون رحمن اليمامة أي إله أرض أخرى .