وذكر سبحانه خلق السموات والأرض في ستة أيام ، فقال عز من قائل:
{ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ( 59 )} .
بدل أو عطف من الحي ، وذكر ذلك بعد هذا الوصف الجليل لبيان أن التوكل على القادر المنشئ للوجود كله ، وستة الأيام التي في هذه الآية التي ذكر سبحانه أنه خلق السموات والأرض ليست هي الأيام التي نعرفها الآن بيننا ، لأن أيامنا مربوطة بالشمس والأرض ، ودوران الأرض حول الشمس ، فيكون الليل والنهار خلفة يخلف أحدهما الآخر ، وقبل السموات والأرض لم تكن الشمس ولا الأرض ، ولذلك تفسر الأيام بالأدوار الكونية التي يخلق الله بها السموات والأرض ، وقد ذكر سبحانه وتعالى في سورة فصلت ، فقال عز وجل:
{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 9 ) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ( 10 ) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( 11 ) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( 12 )} [ فصلت] .
وإن هذا النص السامي يدل على أن الأرض أخذت أربعة أدوار منها الدوران الأولان ، والسماء قضاهن سبحانه سبع سموات في يومين .
وإن لعلماء الكون جولات علمية في معاني هذه الآيات ، وما تدل عليه من حكمة اللطيف الخبير .
بعد أن خلق سبحانه وتعالى السموات السبع والأرض في ستة أدوار كونية ، جلس سبحانه على عرش الكون ، لأنه سبحانه وتعالى خالقه فقال:{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} هذا كناية عن كمال سلطانه في خلقه يدبره كما شاء ، ففي الكلام تشبيه ، إذ شبه سبحانه وتعالى سلطانه على الكون يقوم عليه ويدبره ، لأنه سبحانه وتعالى الحي القيوم ، بمن يجلس على عرش مملكته يدبرها ويقوم على مصالحها ، ولله المثل الأعلى .
وقال سبحناه{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} ، التعبير ب ( ثم ) في موضعه ، لأنه سبق ذلك أدوار كونية لا يعلمها إلا الله ، ووصف سبحانه وتعالى سلطانه على العرش ، فقال عز من قائل{ الرحمن} أي أنه يدبره ويسيطر عليه برحمته ، فكل عمل منه سبحانه في عشر السموات والأرض رحمة في ذاته الرحمن الرحيم .
وإن المتتبع لهذا الخلق وذلك التكوين ، والقيام عليه بقدرته تعالى يرى بقلبه رحمته سبحانه ، ولذا قال تعالى:{ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} الفاء للإفصاح عن شرط مقدر إذا أردت أن تعرف فاسأل به خبيرا ، والباءفيما أحسببمعنى في ، والمعنى فاسأل خبيرا أي عليما يعلم علما دقيقا ، فإنه ينبئك عن جلال الله تعالى في الخلق والتكوين والرحمة .