الآية التالية بيان لقدرة الخالق في ساحة عالم الوجود ،ووصف آخر لهذا الملاذ الأمين ،يقول تعالى: ( الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيّام ) .ثمّ ( استوى على العرش ) فأخذ بتدبير العالم .
إنّ من له هذه القدرة الواسعة يستطيع أن يحفظ المتوكلين عليه من كل خطر وحادثة ،فكما أنّ خلق العالم كان بواسطة قدرته ،كذلك فإنّ إدارة وقيادة وتدبير ذلك العالم بأمر ذاته المقدسة .
ضمناً ،فإنّ خلق العالم بشكل تدريجي إشارة إلى أنّ الله لا يعجل في أي عمل ،فإذا لم يجاز أعداءك سريعاً ،فلأجل أن يمنحهم الفسحة والفرصة حتى يأخذوا بإصلاح أنفسهم ،فضلا عن أن من يعجل هو من يخاف الفوت ،وهذا غير متصور بالنسبة إلى الله القادر المتعال .
في مسألة خلق عالم الوجود في ستة أيّام ،فإنّ «اليوم » في مثل هذه الموارد بمعنى «المرحلة » ،أو الفترة الزمنية وهذه الفترة من الممكن أن تستغرق ملايين أو مليارات من السنين ،وشواهد هذا المعنى في الأدب العربي وغيره كثيرة ،بحثناه بشكل مفصل في تفسير الآية ( 54 ) من سورة الأعراف ،وشرحنا هناك هذه المراحل الست .
و أيضاً فإنّ معنى «العرش » وجملة ( استوى على العرش ) وردت هناك أيضاً .
وفي ختام الآية يضيف تعالى: ( الرحمن ): من شملت رحمته العامّة جميع الموجودات ،فالمطيع والعاصي والمؤمن والكافر يغترفون من خوان نعمته التي لا انقطاع فيها .
والآن ،حيث ربّك الرحمن القادر المقتدر ،فإذا أردت شيئاً فاطلب منه فإنّه المطلع على احتياجات جميع عباده: ( فاسأل به خبيراً ) .
هذه الجملةفي الحقيقةنتيجة لمجموع البحوث السابقة .يأمر الله النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ): أعلِنْ لهم أنّني لا أريد منكم أجراً ،وتوكل على الله الجامع لكل الصفات ،القادر ،والرحمن ،والخبير ،والمطلع ،وأطلب منه أي شيء تريده .
للمفسّرين أقوال أُخرى في تفسير هذه الجملة ،فقد جعلوا السؤال هنا بمعنى الاستفهام ( لا الطلب ) ،وقالوا: إن مفهوم الجملة هو: إذا أردت أن تسأل في موضوع خلق الوجود وقدرة الخالق ،فاسأله هو ،فهو العالم بكل شيء .
بعض آخر ،بالإضافة إلى أنّهم فسروا «السؤال » ب «الاستفهام » قالوا: إن المقصود ب «الخبير » جبرئيل ،أو النّبي ،يعني: اسألهما عن صفات الله .
التّفسير الأخير بعيد جدّاً بالتأكيد ،وما قبله أيضاً غير متناسب كثيراً مع الآيات السابقة ،والأقرب هو ما قلناه في معنى الآية من أن المقصود من السؤال هو الطلب من الله{[2872]} .
/خ59