وبعد أن أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم ما قال أمره سبحانه بأن يتجه إلى الحق معتمدا عليه سبحانه وتعالى وحده فقال:
{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ( 58 )} .
أمر الله تعالى نبيه بالتوكل عليه بعد أن يئس من المشركين ، ليكون خالصا للدعوة إليه ، وليكون معتمدا عليه وحده ، وليكون ذلك تبشيرا للنبي صلى الله عليه وسلم بالنصر عليهم ، وأن الله تعالى معطيه ومن معه القوة الدافعة ، والتوكل معناه اعتماد القلب على الله تعالى ، واتخاذ الأسباب الظاهرة ، وإن لم تكن هي وحدها الناصرة إنما هي وسائط ، أمر سبحانه وتعالى باتخاذها من غير اعتماد عليها وحدها ، وقد ذكر سبحانه وتعالى وصفين لذاته العلية يؤكدان أنه لا يعتمد إلا عليه:الأولأنه الحي الكامل الموجود . الثاني أنه سبحانه لا يموت فهو الباقي ، ومن يعتمد على من يموت لا يكون له معتمد بعد موته ، أما من يعتمد على الباقي فمعتمده باق لا يفنى .
وبعد أن أمر سبحانه بالتوكل عليه وحده أمر بالتسبيح ، وهو التنزيه بوصفه بصفات الكمال المطلق من قدرة وإرادة ووحدانية وغيرها من الصفات التي لا يشبهه فيها أحد من خلقه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، العلي الكبير .
وقوله تعالى:{ بحمده} ، أي مصاحبا بالحمد بالثناء عليه بما هو أهله ، فكان الأمر بالتنزيه ، وأمرنا بالثناء عليه سبحانه بما أنعم ، وشكره على ما أجزل من عطاء غير مجذوذ .
{ وكفى به} ، أي الكفاية به سبحانه وتعالى وحده ، والباء لتأكيد معنى الكفاية والاعتماد على ذاته وحده ، ومن توكل عليه لا يحتاج إلى غيره ولا يغني غناءه أحد من خلقه ، وقوله تعالى:{ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} بذنوب ، جار ومجرور متعلق بقوله تعالى:{ خبيرا} ، والخبير هو ذو العلم الدقيق الذي لا يعلمه غيره ، وقدم الجار والمجرور{ بذنوب} على متعلقه لبيان الاهتمام بالعلم بهذه الذنوب ، وأنهم مجزيون بها ، فإذا كانوا قد عاندوا وضلوا وصدوا عن سبيل الله تعالى فإنهم مأخوذون بذنوبهم ، وخبيراحال من ضمير به ، ومؤدي القول الكريم ، وكفى به خبيرا بذنوبهم ، وهي خبرة وراءها جزاؤهم عليها ، وهذا تهديد شديد ، وإنذار بليغ .