وأمر الله تعالى نبيه أنه لا يريد أجرا إلا الهداية واتباع الحق ، فقال عز من قائل:
{ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ( 55 )} .
الأمر في{ قل} للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أمر الله تعالى نبيه أن يقول ذلك القول ، لأنهم قالوا وأشاروا وصرحوا أنه يريد سيادة دنيوية في جاه يبتغيه ، أو مال يتموله ، فهو صلى الله عليه وسلم الذي يتولى الرد ، وبيان أنه لا يريد الهداية{ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} منهنا دالة على استغراق النفي ، أي لا أسألكم على هذا الإرشاد والتوجيه الذي أدعوكم به إلى ترك الأوثان وعبادة الله تعالى وحده أي أجر ، وإن فائدة هذه الدعوة مغبتها عليكم إذا اهتديتم ، وتعود عليكم بالعقاب إن كفرتم .
ثم قال تعالى مستثنيا من الأجر{ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} .
هذا الاستثناء يحتمل أن يكون متصلا ، ويحتمل أن يكون منقطعا ، وعلى أنه متصل يكون المعنى ظاهرا والمعنى لا أسألكم أجرا تدفعونه ، أو تؤدونه ، إلا ابتغاء من شاء أن يتخذ إلى ربه منهاجا مستقيما ، وطريقا موصلا إلى ربه ، فإن ذلك هو الأجر الذي أبتغيه ، وهو نعم الأجر ونعم الجزاء ، فيكون الكلام دالا على مطلبه صلى الله عليه وسلم ، ودالا على شرف الغاية التي يبتغيها ، فليس يطلب مالا ولا جاها ، ولكن يطلب هداية وتوفيقا وإرشادا .
ويكون معنى النص السامي على أن الاستثناء منقطع ، لا أسألكم عليه أجرا ، لكن من شاء اتخذ إلى ربه سبيلا هو مطلبي وغايتي ، وموضع دعايتي ودعوتي .
ومهما يكن من تخريج ، فالمعنى أنه لا جزاء للنبي إلا أن يتبعوا الحق ، ويهتدوا به ، ويوحدوا العبادة .
وفي قوله تعالى:{ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} إشارات بيانية ثلاث .
الأولىالتعبير بقوله:{ من شاء} إشارة إلى أن الثواب لا يكون إلا بالإرادة الحرة المختار ، إذ هي أساس التكليف .
الثانيةالتعبير بقوله:{ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} التعبير بالرب توجيه إلى أنه الخالق المربي القائم على الخلق ، ففي ذلك دعوة للاتباع المدرك ، شكرا لنعمة الله تعالى عليه .
الثالثةوصف الهداية بأنها اتخاذ السبيل ، لأنه المنهاج ، وهو{ سبيلا} ، وكان التنكير لبيان أن السبيل المطلوب هو ما كان إلى الله تعالى .