{قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} فلست الشخص الذي يعمل للحصول على امتيازات ماديةٍ أو معنويةٍ من خلال الرسالة ،تماماً كالكثيرين ممن يستهدفون الوصول إلى مطامع دنيوية من دعواتهم أو مشاريعهم ،لأنني لم أنطلق من مبادرةٍ ذاتية في كل ما أقوم به ،أو أسعى إليه في دائرة الدعوة ،بل انطلقت من خلال رسالة الله التي حمَّلني إيّاها ،وأرادني أن أعمل في سبيل إبلاغكم آياتها ومفاهيمها وأحكامها ،ما يجعل من موقعي فيكم ،موقع الرسول المسؤول الخاضع لمولاه الذي كلفه القيام بهذه المهمة ،بعيداً عن كل الحسابات الذاتية ،فلا أسألكم أيّ أجر أو مطمع ،من جهة الرسالة ،بل الأجر لكم من الله في الدنيا والآخرة ،إذا تجاوبتم مع الله في شريعته ومنهجه ،وليس لي مصلحة مع أيّ فريق منكم في أية علاقة خاصة .
{إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ،فهذا ما أتحرك في الدعوة من أجله ،وأعيش له من أجل استكمال هدايته ،وأشعر بأني قد حصلت على نتيجةٍ إيجابيةٍ للرسالة من خلاله ،عندما استطعت أن أوجّه إرادته الحرة في اتجاه الإيمان الذي يدفعه إلى أن يتخذ إلى ربه سبيلاً يربطه به ويوصله إلى رحمته ورضوانه ،وهذا هو الأجر الذي أسعى للحصول عليه ،لأن أعظم أجر للرسول في رسالته ،أن يتجاوب الناس معه ،ويؤمنون برسالته .
ولعل هذا الاستيحاء التفسيري أقرب إلى جوّ السياق في الآية مما ذكره جمهور المفسرين من أن الاستثناء منقطع ،والمعنى ،هو أن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً ،أي بالانفاق القائم مقام الأجر كالصدقة ،والإنفاق في سبيل الله ،فليفعل ،وهذا ما لا دليل عليه .وهناك وجوه أَخر ،يرجع بعضها إلى ما ذكرناه ،ويبتعد بعضها عن السياق .
وربما كان ذكر الشخص المؤمن في مقام الاستثناء بدلاً من الإيمان نفسه ،للتأكيد على أنه يمثل كل هدفه في الدعوة ،في إيجاد الإنسان المؤمن الذي يتحرك في خط الإيمان في ما يستجيب له من دعوة الرسالة في موقف الرسول ؛والله العالم .