ثمّ يأمر النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يقول لهم أنني لا أريد منكم في مقابل هذا القرآن وإبلاغكم رسالة السماء أي أجر وعوض: ( قل ما أسألكم عليه من أجر )ثمّ يضيف: إن الأجر الوحيد الذي أطلبه أن يهتدي الناس إلى طريق الله ( إلاّ من شاء أن يتخذ إلى ربّه سبيلا ) .
يعني أجري وجزائي هو هدايتكم فقط ،وبكامل الإرادة والاختيار أيضاً ،فلا إكراه ولا إجبار فيه ،وكم هو جميل هذا التعبير الكاشف عن غاية لطف ومحبة النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأتباعه ،ذلك لأنّه عدَّ{[2870]} أجره وجزاءَه سعادتهم .
بديهي أنّ للنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) أجراً معنوياً عظيماً على هداية الأمة ،ذلك لأن «الدال على الخير كفاعله » .
و ذكر المفسّرون احتمالات أُخرى أيضاً في تفسير هذه الآية من جملتها:
يرى جماعة من المفسّرين أنّ معنى هذه الآية هكذا «أنا لا أريد منكم أي جزاء إلاّ ما أردتم من إنفاق الأموال على المحتاجين في سبيل الله ،وذلك مرتبط برغبتكم »{[2871]} .
لكنّ التّفسير الأوّل أقرب إلى معنى الآية .
اتّضح ممّا قلناه أعلاه ،أنّ الضمير في «عليه » يرجع إلى القرآن وتبليغ دين الإِسلام ،لأن الكلام كان في عدم المطالبة بالأجر والجزاء في مقابل هذه الدعوة .
هذه الجملة بالإِضافة إلى أنّها تقطع حجج المشركين ،فهي توضح أن قبول هذه الدعوة الإِلهية سهل ويسير جدّاً لكل أحد ،بلا مشقّة ولا خسارة .
وهذا بنفسه شاهد على صدق دعوة النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،ونقاء فكره ومنهجه ،وذلك لأنّ الأدعياء الكاذبين لابدّ أن يُدخلوا في هذا العمل رغبتهم في الأجر والجزاء بصورة مباشرة أو غير مباشرة .
/خ59